أقول: إن المفهوم عرفا بمناسبات باب القضاء من قوله (صلى الله عليه وآله): " إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان " إنما هو عدم تجاوز البينات والأيمان في القضاء، ولا يفهم منه إيقاف القضاء حينما ينفد تأثير البينات والأيمان كما لو لم تكن بينة، أو سقطت بالتعارض، ونكلا عن اليمين، أو لم يمكن تحليفهما لجهلهما بالواقع، والسيرة على قاعدة العدل والإنصاف في باب القضاء - لو كانت - فهي لا تكون في مقابل البينات والأيمان وفي عرضها، وإنما تكون بعد نفاد تأثير البينات والأيمان.
وعلى أي حال فثبوت السيرة على القاعدة حتى في باب القضاء غير واضح، فلعلهم يرجعون إلى القرعة.
وأما ما أفاده - رضوان الله عليه - من دلالة النص في باب تعارض البينات المتكافئة على قاعدة العدل والإنصاف فهذا أيضا غير صحيح، فإن النصوص بين ما ورد في التنصيف بعد تحالفهما كحديث إسحاق بن عمار (1) وبين ما هو محمول على ذلك بالتقييد كحديث غياث بن إبراهيم (2) الذي لم يكن مقيدا بالتحليف لكننا نحمله على ذلك جمعا بينه وبين حديث إسحاق بن عمار. وعليه فمن المحتمل أن يكون التقسيم نتيجة لحلفهما لا لقاعدة العدل والإنصاف، ولا يمكن التعدي إلى غير موارد الحلف.
وقد يقال: يكفي في الجمع بينهما حمل حديث غياث على فرض التحليف مع إبقاء إطلاقه لفرض نكولهما عند التحليف.
ولكن يتضح الجواب على ذلك بالتدقيق في متن رواية غياث - التي هي عمدة روايات التقسيم - ورواية إسحاق التي نقيد بها رواية غياث.