تعدد الشاهد في البينة.
أما لو فرض شرط التعدد افتراضا فالمفهوم من الفقه الوضعي هو عدم نفوذه كجزء من البينة حينما نحتاج إليها، فإن نكتة عدم نفوذ علم القاضي عندهم هي أن للخصم أن يناقش الدليل، فإذا كان الدليل هو علم القاضي أصبح القاضي خصما، أو أن القاضي إذا كان شاهدا في نفس الوقت فقد تأثر بشهادته، فلا يصلح للقضاء وفصل الخصومة كما مضى ذلك في أول بحث قضاء القاضي بعلمه. وهذه الوجوه - كما ترى - تأتي أيضا في ما إذا فرض القاضي أحد الشاهدين في البينة.
وعلى أي حال فمن وجهة نظر فقهنا الإسلامي بالإمكان أن يقال: إن أدلة حجية الشهادة في باب القضاء منصرفة عن شهادة نفس القاضي، فهي تبين حجية شهادة من يشهد لدى القاضي لا شهادة نفس القاضي، فالذهن لا ينتقل من الشهادة أو البينة إلى شهادة الإنسان لدى نفسه.
وفي مقابل ذلك قد يقال: إن وضوح عدم الفرق عقلائيا بين شهادة القاضي وشهادة أي عدل آخر، وعدم تصور أي ضعف في شهادة العدل حينما يصبح قاضيا يجعل العرف يفهم من دليل نفوذ البينة في باب القضاء الإطلاق، وكيف يحتمل العرف الفرق مثلا بين أن يقضي هذا القاضي وفق شهادته وشهادة عدل آخر إلى جانبه، أو أن يذهب هو بصحبة ذاك العدل إلى قاض آخر كي يحكم هو بشهادتهما؟!
فإن تم هذا الكلام ثبتت حجية البينة التي يكون القاضي جزءا منها، وإن لم يتم هذا الكلام، فقد يقال: إنه لا دليل على حجية البينة حتى مع غض النظر عما أشرنا إليه من إمكانية دعوى الانصراف، إذ لا إطلاق حكمي في أدلة نفوذ البينة في باب القضاء لشهادة القاضي، فمثلا قوله (صلى الله عليه وآله): " إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان " إنما هو بصدد بيان حصر مدرك قضائه بالبينات والأيمان، أما ما هي شروط البينات ؟ وهل تكفي شهادة نفس القاضي عن أحد فردي البينة؟ فليس الحديث بصدد بيان