ذلك. وما مضى من حديث سليمان بن خالد الدال على القضاء بالبينات والأيمان قد فرض فيه عدم رؤية القاضي للواقعة، حيث قال النبي: " يا رب كيف أقضي فيما لم أر ولم أشهد؟ " فكيف يمكن افتراض تمامية الإطلاق الحكمي فيه لشهادة نفس القاضي؟! وما ورد من أحاديث كون البينة على المدعي واليمين على المنكر (1) إنما هي بصدد بيان من عليه البينة لا بصدد بيان شرائط البينة، وأنه هل يجوز أن يكون القاضي جزء من البينة أو لا؟ وما ورد من قبول شهادة المحدود بعد التوبة (2)، أو قبول شهادة المسلم على الكافر (3)، أو نحو ذلك أيضا - كما ترى - ليس بصدد البيان من هذه الناحية، فإذا لم يتم إطلاق حكمي في أدلة الحجية القضائية للبينة وصلت النوبة إلى اليمين.
وقد يقال: إنما تصل النوبة إلى اليمين لو قلنا بانصراف البينات في قوله (صلى الله عليه وآله):
" إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان " إلى بينة لا يكون القاضي جزءا منها: أما لو لم نقل بالانصراف ولم يتم الإطلاق أيضا فقد بقينا حائرين لا ندري ماذا نصنع؟ إذ لا يوجد دليل على حجية البينة لعدم الإطلاق حسب الفرض، ولا دليل على حجية اليمين، لأن اليمين إنما تصل النوبة إليه بعد عدم البينة الحجة، ونحن نحتمل في المقام كون البينة حجة، فإنه وإن لم يدل الدليل على حجيتها لكنه لم يدل أيضا على عدم حجيتها.
والجواب على ذلك: أن المفهوم عرفا مما دل على كون اليمين هو المرجع بعد فقد البينة الحجة كونه حجة بعد فقد البينة التي تتوفر فيها الحجية القضائية الفعلية، والمفروض في المقام أنه لم تصبح حجية البينة فعلية لأنها لم تصلنا.