قلت استحالة اجتماع بعض المتقابلين كالمتضادين في جرم الفلك ليست لأجل نفس التضاد بينهما بل لأجل انه غير قابل لأحدهما كما أن الهواء لا يجتمع فيه السواد والبياض إذ ليست فيه قابلية أحدهما ولو كان قابلا لأحدهما بجزء لكان قابلا للاخر بجزء آخر.
وأيضا يجتمع في الفلك متقابلات من نوع آخر كاتصافه بالمماسة وعدمها بالقياس إلى شئ واحد فان فلك القمر يماس بجزء منه لكره النار وبجزء منه غير مماس لها ويماس لكرة عطارد وكذا بعضه شمالي وبعضه ليس بشمالي بل جنوبي وبعضه شرق وبعضه غرب إلى غير ذلك من المتقابلات فهذه حجج قويه بل براهين قطعيه على هذا المطلب ولهذا استبصارات أخرى اخرنا ذكرها إلى مباحث علم النفس وعلم المعاد وهذا الأصل عزيز جدا كثير النفع في معرفه النشأة الثانية كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى وبه ينحل اشكالات كثيره منها ما لأجله ذهب بعض الحكماء كالاسكندر إلى أن النفوس التي لم تبلغ مرتبه العقل بالفعل هالكة غير باقيه واستصعب الشيخ هذا الاشكال وتحير في دفعه في بعض رسائله كرسالة الحجج العشر ولو لم يكن للنفس غير القوة العقلية قوه أخرى غير جسمانية خارجه في بابها عن القوة إلى الفعل لكان القول بدثور العقول الهيولانية (1) بعد دثور أبدانها حقا لا شبهه فيه عندنا وذلك لان ما بالقوة من حيث كونه بالقوة لا يمكن وجوده الا بأحد أمرين اما بخروجه من القوة إلى الفعل بحصول ما هو قوه عليه واما ببقائه كما كان بتبعية ما هو قوه منه وبالجملة لا بد من إحدى الصورتين الفعليتين اما السابقة أو اللاحقة فإذا زالت الصورة الأولى ولم تحصل الآخرة فلا جرم تبطل تلك القوة رأسا فاذن لو لم تكن في الانسان الا صوره طبيعية يقوم بها