الركن الرابع: العهد: اكتشف الخلفاء الحكام أن موت الحاكم، وترك الأمة دون بيان من يخلفه، مفسدة حقيقية، وليس من مصلحة الأمة أن يتركوها هملا لا راعي لها، فضلا عن ذلك فإن المصارعة بين الفرسان الأقوياء عمل يؤدي لعدم الاستقرار، وإلى إراقة الدماء، فمن هنا نشأت فكرة ولاية العهد، فالخليفة الحاكم يعهد لمن يليه، وتستمر عملية العهد حتى يأتي فارس فيغلب الغالب ويحل محله، ثم يعهد لابنه أو أخيه أو صديقه.
والجدير بالذكر أن هنالك إجماعا بين رواد هذه النظرية بأن الرسول لم يعهد لأحد، وأنه ترك أمته ولا راعي لها! فجاء الخلفاء وتداركوا هذه الناحية، وسدوا هذا الفراغ!
الركن الخامس: الغالب كائنا من كان: فهو القائم مقام النبي والمتمتع بكامل صلاحياته، إلا أنه لا يوحى إليه. فالغالب هو الذي يبين القرآن، أو يعين من يبينه، وهو مرجع الأمة، أو يعين لها المرجع الذي يمارس أعمال المرجعية تحت إشرافه، وهو قائدها السياسي، ورمز وحدتها، وهو ينظر في أمورها حال حياته، وتبع ذلك أن ينظر لها حال وفاته، فيعين لها من يقوم مقامه بعد وفاته، على حد تعبير ابن خلدون.
وقد هيمنت هذه الترتيبات المركبة، وسادت الحياة السياسية من بعيد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى سقوط آخر سلاطين بني عثمان، باستثناء فترة محددة لا تتجاوز سنيها عدد أصابع اليدين.
* *