ما هو حكم المنظومة الإلهية بذلك؟ وهل لا ينبغي أن يكون الأعلم والأفهم بالمنظومة الإلهية، والأفضل من بين أتباع الملة، والأصلح لقيادة المسلمين حتى يكون أهلا لخلافة النبي، والقيام مقامه بمرجعية الدين، وقيادة المسلمين معا؟
فإذا كان كذلك فكيف نهتدي إليه ونعرفه؟ وكيف تنتقل المرجعية والقيادة السياسية بيسر؟ وما هي القواعد الإلهية التي عالجت هذه الناحية؟ ما هو دور الأمة؟
وما هو دور القائد السياسي والمرجع القائم بكل ذلك... إلخ.؟
بعد وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) شاعت مقولتان:
المقولة الأولى: مقولة الإنكار والتقول بالتخلية، ومفادها أن الله ورسوله لم يعينا مرجعية للدين، ولا قيادة للمسلمين بعد وفاة النبي، وقد تركا هذه الناحية وخليا على الناس أمرهم، لأن القيادة السياسية والمرجعية - حسب رأي منظري هذه المقولة - شأن خاص بالمسلمين، فهم وحدهم الذين يهتدون للقيادة السياسية المثلى، فإذا اهتدوا إليها تصبح القيادة السياسية هي بنفسها المرجعية.
ومنظرو هذه المقولة لا ينكرون أن المرجعية والقيادة السياسية هي خلافة للنبوة، وهي ضرورة من ضرورات الحياة، وقد أدركوا في ما بعد بالعقل والشرع أن الأسرة لها مرجعية وقيادة، وكذلك القبيلة، وكذلك الشعب، وكذلك الأمة، وكل عقيدة إلهية أو وضعية لها مرجعية وقيادة بالضرورة، لأن المرجعية والقيادة عنصر أساسي لكل دعوة ولكل دولة ولكل جماعة بشرية، ولا توجد منظومة حقوقية إلهية أو وضعية إلا وقد بينت قواعدها بيانا يرفع الخلاف وفصلت تفصيلا كيفية تنصيب القيادة السياسية وكيفية انتقالها.
ومع هذا فإن القائلين بالترك والتخلية يصرون على القول بأن الله ورسوله خليا على الناس أمرهم، وأن المنظومة الإلهية لم تعالج تنصيب وانتقال القيادة السياسية، ولما اكتشفوا أنه لا بد من سند شرعي صار فعل السابقين هو السند الشرعي لفعل اللاحقين، وزيادة باليقين قالوا بأن السند الشرعي هو الإجماع، والإجماع مصدر من