فمرنا بأمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم، فقال سعد بن عبادة وكان خزرجيا: كذبت لعمر الله لا تضرب أعناقهم، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسيد:
ولكنك منافق تجادل عن المنافقين، وعندئذ تساور الناس حتى كاد أن يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر. وفي لفظ البخاري: فصار الحيان الأوس و الخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت. (1) هذه نماذج من مواقف النبي الأعظم حيال الخلافات التي كانت تنشب أحيانا بين أمته، وهو صلى الله عليه وآله وسلم كان يصنع من الخلاف وئاما ومن النزاع وفاقا، ويدفع الشر بقيادته الحكيمة، وما هذا إلا لأن صرح الإسلام قائم على كلمتين: كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.
وهذا صنو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه وخليفته إذ حرم من حقه المشروع، وبدلت الخلافة التنصيصية إلى تداول الخلافة بين تيم وعدي ثم إلى أمية، قد بقي حليف بيته وأليف كتاب الله وهو يرى المفضول يمارس الخلافة مع وجود الفاضل، بل يرى تراثه نهبا ومع ذلك كله لم ينبس ببنت شفة إلا في موارد خاصة، حفاظا على الوفاق والوئام وهو عليه السلام يشرح لنا تلك الواقعة بقوله: " فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي، أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل... ". (2)