وعندما تسنم منصة الخلافة ورجع الحق إلى مداره قام خطيبا فقال:
" والزموا السواد الأعظم، فإن يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذ من الغنم للذئب، ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه ". (1) هذه هي سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة وصيه وتلميذه وهما تعربان عن أن حفظ الوحدة من أهم الواجبات وأوجب الفرائض، وقد اتبع السنة النبوية المحنكون من الأمة فجاءوا يوصون بحفظ الوئام ونبذ الخلاف في الظروف العصيبة.
وهذا هو الشيخ الإمام أبو الحسن الأشعري لما حضرته الوفاة، قال: اشهدوا علي أنني لا أكفر أحدا من أهل القبلة بذنب، لأني رأيتهم كلهم يشيرون إلى معبود واحد والإسلام يشملهم ويعمهم. (2) وقال الشيخ تقي الدين السبكي: إن الإقدام على تكفير المسلمين عسر جدا وكل من كان في قلبه إيمان يستعظم القول بتكفير أهل الأهواء والبدع مع قولهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن التكفير أمر هائل عظيم الخطر. (3) وقال ابن حزم: وذهبت طائفة إلى أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول فاسد في اعتقاد أو فتيا وأن كل من اجتهد في شئ من ذلك فدان لما رأى أنه الحق فإنه مأجور على كل حال إن أصاب فأجران، وإن أخطأ فأجر واحد.
قال: وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من أصحابه رضي الله