ثم إنه كما يجب تصنيف الناس يجب تصنيف المسائل بين ما يمكن للإنسان الخوض فيه والرجوع بفكر صحيح، وما لا يمكن للإنسان دركه وفهمه، فإن البحث عن ذاته سبحانه أمر غير ممكن إذ ليس كمثله شئ حتى يعرف الذات به، ولأجل ذلك ورد النهي الأكيد عن البحث والجدال في ذاته، ومثله البحث عن حقيقة الوحي والنبوة، أو عن حقيقة الجنة والنار، إلى غير ذلك من الأمور الغيبية التي لا يلمسها ولا يدركها إلا نبي يوحى إليه أو إنسان خرج من الدنيا ودخل الآخرة والواجب فيها الإيمان فقط، قال سبحانه: * (الذين يؤمنون بالغيب) * (1).
فإن الإنسان المحبوس في سجن المادة، لا يمكن له درك حقيقتها، وإن كان له البحث عن آثار الوحي والنبوة وخصائصهما.
ثم إنه لا محيص للمانعين عن الخوض في المعارف القرآنية بل العقلية على الإطلاق، عن سلوك أحد طريقين:
1 - التلاوة والسكوت والإمرار والإقرار وتفويض معانيها إلى منزلها.
2 - الأخذ بظواهر الآيات الحرفية وتفسيرها بظواهرها الحرفية.
أما الأول فينتهي إلى تعطيل العقول عن المعارف وبالتالي يتنزل الإنسان إلى حد الحيوان ويكون وظيفة الحكيم العارف المقتدر على درك دقائق التوحيد ورقائقها نفس وظيفة الجاهل البائل على عقبه، في مجال العقيدة والتفكير، وهو كما ترى.
وأما الثاني فهو ينتهي إلى التشبيه والتجسيم، وأقصى ما عند هؤلاء الذين يأخذون بالظواهر الحرفية هو ضم كلمة " بلا كيف ولا تمثيل " إلى مفاد هذه الآيات، فيقولون: إن لله يدا ورجلا وعينا واستواء على العرش بنفس المعنى اللغوي، ولكن بلا كيف ولا تمثيل.