موجودا ليس له جسم ولا جهة ولا مكان، ولا يحويه زمان ولا مكان، ولا يوصف بالكيف والكم، وما هذا إلا لأنهم أسراء المادة والجسمانية، فوقعوا فريسة لمخالب التجسيم، وتورطوا في مخاطر التشبيه، فصاروا من المشبهة والمجسمة لا يتورعون عن وصفه سبحانه بكل ما توحي إليهم القوة الخيالية الأسيرة لعالم الحس والمادة، فأثبتوا لله سبحانه يدا ورجلا وعينا وغير ذلك مما جاء في الذكر الحكيم، وفسروها بالمعاني الإفرادية الملازمة للتجسيم، وكأنهم لم يسمعوا قول الله سبحانه: * (ليس كمثله شئ) * (1)، أو لم يسمعوا قول الله سبحانه: * (ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز) *. (2) وفي مقابل هؤلاء، المعطلة (3)، وهم وإن تورعوا عن التجسيم والتشبيه ولكنهم عطلوا العقول عن المعارف بحجة أن البشر أعطي العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية، فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية ولم يدرك الربوبية. (4) وكأن القائل يفسر العبودية بالقيام والقعود، والإمساك والصيام التي هي من واجبات الأعضاء، وغفل عن أن لها ركنا آخر يرجع إلى العقل واللب، فتعطيل العقول عن معرفة المعبود، بالمقدار المستطاع تعطيل لإقامة العبودية أو لجزئها، فلو اقتصر الإنسان في إقامة العبودية على الجزء الأول من دون إدراك ما للمعبود من صفات الجمال والجلال، لكانت عبوديته كعبودية الحيوان والنبات والجماد، بل تكون أنزل منها. قال سبحانه: * (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها
(٢٦٥)