سقوط الأمر بالعجز كما في باب الحج فكذلك ما هو بمنزلة التصريح بالتقييد بها لفظا، وهو حكم العقل بقبح مطالبة العاجز.
وحاصل دفعها: أن هذا الحكم العقلي لا يمكن أن يكون مقيدا للدليل بصورة القدرة على حد تقييده لفظا، لأن العقل إنما يحكم بقبح مطالبة العاجز، إذا كان الدليل مطلقا وشاملا لكلتا صورتي العجز وعدمه، فإنه عند ذلك العقل يستقل بقبح مطالبة العاجز، وقصر الحكم بصورة القدرة، فإذا كان هذا الحكم العقلي متأخرا رتبة عن إطلاق الدليل، فكيف يمكن أن يمنع عنه، إذ المنع عن الاطلاق معناه، أن يجعل اللفظ مجملا صالحا لأن يكون مقيدا بالقدرة، فيكون كما إذا كان اللفظ من أول الأمر مجملا، الذي قد عرفت أن المتيقن منه هو اشتراطه بالقدرة، وقد عرفت أنه إنما تصل النوبة إلى حكم العقل بقبح مطالبة العاجز، إذا كان اللفظ مطلقا ولم يحتف به ما يصلح لتقييده بالقدرة. فكيف يمكن أن يدعى أن نفس هذا الحكم العقلي مما هو محتف باللفظ وصالح للتقييد، وهل يستلزم ذلك إلا الدور فتأمل في المقام جيدا.
فالانصاف أن إطلاق الأمر بنفسه كاشف عن ثبوت الملاك في كلتا صورتي العجز وعدمه، ويترتب عليه حينئذ بقاء الملاك عند سقوط الأمر بالمزاحمة.
فإن قلت: إن التمسك بالاطلاق إنما هو لأجل مقدمات الحكمة، ومن مقدمات الحكمة أنه لو لم يكن الاطلاق بمراد للزم إيقاع المكلف على خلاف المراد والواقع، وهذه المقدمة فيما نحن فيه مفقودة، إذ لم يلزم من الاطلاق عند عدم إرادته محذور وقوع المكلف على خلاف الواقع، إذ على فرض أن لا يكون الاطلاق بمراد، وكان في الواقع الأمر مقيدا بصورة القدرة، فالمكلف لا يقع في مخالفة الواقع، إذ عند العجز هو تارك للمتعلق لا محالة، فالاطلاق وعدمه سيان فيما نحن فيه، ومعه لا يمكن التشبث بالاطلاق والقول بكشفه عن ثبوت الملاك مطلقا.