باب داعي الداعي، بأن كان غرضه من قصد الأمر هو الوصول إلى ذلك الغرض، فهذه جملة الأقسام المتصورة في المقام.
فإن لم يكن الغرض موعودا منه تعالى، فلا ينبغي الاشكال في بطلان العبادة، إذا كان غرضه منها هو الوصول إلى ذلك الغرض الدنيوي، سواء كان ذلك موعودا من غيره تعالى أو كان من الخواص المجربة، إذ لم يقصد بالعبادة لا الأمر ولا جهته ولا ذلك المعنى العام الذي اخترناه في صحة العبادة،، وكذا لو كان الغرض الدنيوي موعودا منه تعالى، ولكن كان الداعي إلى فعل العبادة هو الوصول إلى ذلك الغرض، من دون نظر إلى الأمر ولا يكون قصده قصدا إليه إجمالا (1) فإن هذا لم يأت بالعبادة لله بل أتى بها لسعة الرزق فقط.
وأما لو كان داعيه ذلك بتوسيط قصد الأمر، فالأقوى فيه الصحة، وإن حكي عن بعض الخلاف فيه، فإن نفس الوعد منه تعالى إيجادا للداعي إلى التقرب بها، ويكون من غايات الامتثال، وإلا لغى الوعد منه تعالى كما لا يخفى، وشتان ما بين أن يكون الوعد منه تعالى وما بين أن يكون من غيره، من بذل باذل، فإنه لو كان الداعي هو الوصول إلى ما يبذله الباذل لكان الغاية القصوى والمقصد الأعلى هو غير الله تعالى، ولو أمكن توسيط قصد الأمر أيضا والحاصل: أنه قد تقدم أنه لو كان الداعي هو الأجرة وأمكن أن يكون من باب الداعي [إلى] الداعي، وإن كان ذلك ممنوعا جدا، على ما عرفت، كان توسيط قصد الأمر مما لا أثر له: بعدما كان المقصود بالأصالة هو أخذ الأجرة، وهذا بخلاف ما إذا كان الداعي هو ما أوعده الله تعالى، فإنه بالآخرة يرجع إلى الله ويكون مقربا كما