مدى استعدادهم لقبول دعوته، والدفاع عنها؟ فوجد ما لا ينقع غلة، ولا يبل صدى، إن لم نقل أنه وجد ما يزيد الطين بلة، والامر خطورة.
وأما اليمن، وفارس، والروم، وبلاد الشام وغيرها؟ فقد كانت خاضعة لسلطة الدولتين العظميين، اللتين لن يكون نصيب الرسول والرسالة منهما سوى المتاعب والأخطار الجسيمة. وقد تكلمنا عن شئ من ذلك عند الحديث عن عوامل انتصار الاسلام وانتشاره في أواخر الباب الأول من هذا الكتاب. ولسوف نرى أن كسرى قد حاول أن يقوم بعملية خطيرة تجاه الرسول ورسالته حينما أرسل إليه " صلى الله عليه وآله وسلم " يدعوه إلى الاسلام.
وأما الحبشة فهي بحكم موقعها الجغرافي مفصولة عن مكة، كما أنها بحكم واقعها الاجتماعي، والسياسي، والبشري، والعنصري، وبحكم كونها بلدا أفريقيا، فإنها ليست بلدا قادرا على إن يقود عملية التغيير العالمية الشاملة، لا اقتصاديا، ولا سياسيا، ولا عسكريا، ولا حتى فكريا، واجتماعيا.
أضف إلى ذلك أن مهاجمة مكة بجيش من الحبشة لسوف يدفع العرب كافة إلى الوقوف إلى جانب قريش ضده، بخلاف ما لو كانت عملية التغيير منطلقة من الداخل حينما يؤمن بدعوته الفقراء، والمستضعفون، ويواجه هؤلاء الملا والمستكبرين من قومهم بالذات.
وهكذا يتضح: أنه ليس ثمة إلا المدينة، والمدينة فقط موقعا مناسبا للهجرة فكانت الهجرة إليها.
3 - ومن الجهة الأخرى، فإن المدينة كانت أغنى من مكة زراعيا.
أي أنها لو فرض عليها: أن تتعرض لضغط تجاري من نوع ما - مع أنه ليس باستطاعة مكة أن تفعل شيئا من ذلك - فإنها تستطيع أن تقاوم هذا الضغط، وتحتفظ لنفسها بنوع من الحياة، ولو بصعوبة ما، من دون أن