وبعد هذا، فإن أقرب المواقع إلى مكة هو المدينة، وهي التي تملك إلى جانب قوتها الاقتصادية كثافة سكانية جيدة، تستطيع أن تقوم بالمهمة التي توكل إليها تجاه مكة على أكمل وجه، ولا توجد هذه الميزة في أي من المناطق القريبة إلى مكة.
ونلاحظ: أن إيجاب الهجرة على من يسلم، قد جعل المدينة - بعد هجرة الرسول " صلى الله عليه وآله وسلم " إليها - في حالة نمو سكاني مستمر، يؤهلها لتحمل مسؤولية بناء دولة، وحماية منجزاتها على المدى ا لمنظور.
5 - إن أهل المدينة كانوا في الأصل من مهاجري اليمن، التي كانت تمتلك شيئا من الحضارة البدائية في قديم الزمان، فهم ليسوا أعرابا؟ لتكون قلوبهم ممعنة في القسوة. ولا كان ثمة زعامات ومصالح خطيرة لهم في المنطقة، كما كان الحال بالنسبة لقريش، ولا كانوا يعيشون في تلك الأجواء النفسية المعينة، كما كانت تعيش قريش؟ نتيجة لموقعها النسبي في العدنانية، ولموقعها في زعامة مكة، وحجابة البيت.
ثم هناك التنافس الظاهر بين العدنانية والقحطانية. حيث لا يسع القحطانيين، حتى ولو لم تكن ثمة دوافع دينية وعقيدية: أن يسلموا النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " إلى أعدائه.
ويشهد لهذا: أننا نجد بقايا هذا التنافي حتى إلى ما بعد وفاة النبي " صلى الله عليه وآله وسلم "؟ فنجد أن عمر بن الخطاب قد فضل العدنانية على القحطانية في العطاء، الامر الذي مهد السبيل أمام الأمويين لاستغلال هذه الروح وإشعال الفتن بين اليمانية والقيسية. إبان حكمهم البغيض. بينما نجد أمير المؤمنين " عليه السلام " لم يكن يرى لبني إسماعيل على بني إسحاق فضلا. (ولهذا البحث مجال آخر).
6 - ثم إن أهل المدينة قد ذاقوا مرارة الانحراف كأشد ما يكون،