3 - الدين، والسياسة:
وقد لاحظ بعض المحققين هنا: أن هذا العربي، وهو من بني عامر بن صعصعة، لما أخبروه بما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونقلوا إليه ما جرى لهم معه قد أدرك: أن هذا الدين ليس مجرد ترهب في الصوامع، وصلاة، ودعاء، وأوراد، وأذكار، بل هو دين يشتمل على التدبير والسياسة، والحكم، ولأجل هذا قال: " لو أني أخذت هذا الفتى (يعني محمدا بماله من الدعوة الشاملة) لأكلت به العرب ".
ولقد سبقه إلى إدراك هذه الحقيقة شيخ الأنصار أسعد بن زرارة، لما قدم إلى مكة، وعرض عليه النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " ما يدعو إليه، فرأى: أن فيه وفي دعوته ما يصلح مجتمعه، ويعالج مشاكلهم المستعصية بينهم وبين إخوانهم من الأوس، وعلى هذا كانت الهجرة (1).
وقد أدرك ذلك أيضا نفس أولئك الذين اشترطوا على النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " أن يكون لهم الامر من بعده، فرفض " صلى الله عليه وآله وسلم " طلبهم. وسيأتي ذلك عن عامر بن الطفيل، في غزوة بئر معونة.
فما أبعد ما بين فهم هؤلاء للاسلام، ولدعوة القرآن، حتى إن هذا الفهم هو الذي مهد لاسلام الأنصار، ثم الهجرة. وكذلك لبيعتهم (بيعة العقبة الأولى والثانية)، واختيار النقباء والكفلاء على المبايعين، وبين ذلك الذي يعتبر الدين منفصلا عن السياسة، وأن السياسة أمر غريب عن الدين. فإن ذلك ولا شك من القاءات الاستعمار، ومن الفكر المسيحي الغريب المستورد، كما هو ظاهر.