أما بعد أن أعطت مكة كل ما لديها فأخرجت جماعات من شبان المؤمنين، ومن المستضعفين، ولم يبق فيها إلا ما يوجب الصد عن سبيل الله، ويضع الحواجز والعراقيل الكثيرة أمام تقدم هذا الدين، ويمنع من انتشاره واتساعه؟ فإن البقاء في مكة ليس فقط لا مبرر له، بل هو خيانة للدعوة الاسلامية، ومساعدة على حربها، والقضاء عليها، ولا سيما بعد أن جندت قريش كل طاقاتها للصد عن سبيل الله، وإطفاء نوره، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.
نعم، لقد كان لا بد من الانتقال إلى مركز آخر، تضمن الدعوة فيه لنفسها حرية الحركة، في القول والعمل، بهدوء بال، واطمئنان خاطر، بعيدا عن ضغوط المشركين، وفي مناي عن مناطق سيطرتهم ونفوذهم.
وقد رأينا: أنهم كانوا يلاحقون تحركات النبي " صلى الله عليه وآله وسلم "، ويرصدونها بدقة، ويتهددون، بل ويعذبون كل من يدخل في هذا الدين الجديد، ويخيفون كل من يحتمل دخولهم فيه.
ثانيا: إن الاسلام وممثله وداعيته الرسول الأكرم " صلى الله عليه وآله وسلم " لا يمكن له أن يقتنع بهذا النصيب المحدود من التقدم، لأنه دينه دين البشرية جمعاء: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) (1).
وما حصل عليه حتى الان لا يمكنه من تطبيق كافة تشريعات الاسلام، وتحقيق كامل أهدافه. ولا سيما بالنسبة إلى ذلك الجانب، الذي يعالج مشاكل الناس الاجتماعية وغيرها، مما يحتاج إلى القوة والمنعة في مجال فرض القانون والنظام.
ومن الناحية الأخرى: إنه إذا كان بنو عبد المطلب والهاشميون قد استطاعوا أن يؤمنوا الحماية لشخص الرسول من اعتداءات الآخرين على شخصه الكريم، فإنهم لم ولن يستطيعوا أن يؤمنوا له القدرة على حماية أصحابه. الذين دخلوا في هذا الدين، وقبلوا رسالة السماء. فضلا عن أن