المنحرفة إلى حد بعيد، ولم تتعرض بلاد الحبشة لمثل ذلك، فلم تنشأ فيها أديان، ولا كان فيها علماء وفلاسفة بالمستوى الذي كان في دولتي الروم والفرس فكانت أقرب إلى الفطرة، واسق من غيرها.
ولكن هيمنة الفطرة على بلاد الحبشة ليس معناه خلوتك البلاد عن أي انحراف، فان وجود الانحراف فيها أمر طبيعي، بل إن ذلك على حد قولهم: أهل البلد الفلاني مؤمنون، أو شجعان، أو كرماء، فإن ذلك لا يمنع وجود البخيل والكافر أو الفاسق والجبان فيها.
ومن الواضح: ان المسلمين لو هاجروا إلى بلاد لا تهيمن عليها الفطرة، وكان لها ملك لا يأبى عن الظلم فلسوف تصعب عليهم الحياة والاستمرار فيها، ولم يكن لهجرتهم من بلادهم كبير فائدة، ولا جليل أثر.
الهجرة إلى الحبشة:
وهاجر المسلمون بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الحبشة، ذهبوا إليها ارسالا على حسب رواية أم سلمة، (ا) ويقال: إنه سافر أولا عشرة رجال وأربع نساء عليهم عثمان بن مظعون (2)، ثم خرج آخرون حتى تكاملوا في الحبشة اثنين أو ثلاثا وثمانين رجلا، إن قلنا إن عمار بن ياسر كان معهم. وتسعة عشر امرأة عدا الأطفال.
وقد كانت هذه الهجرة في السنة الخامسة من البعثة كما نص عليه عامة المؤرخين.