سبقت ذلك قناعة كاملة، كونها مما شاهده عن قرب من مواقف وسلوك، وسمعه من أقوال النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد يستفاد من قوله: أتشتمه وأنا على دينه أن إسلامه كان متقدما على ذلك الوقت، ولكنه كان يتكتم به مراعاة للظروف، وحفاظا على الاسلام والمسلمين، الذين كانوا أضعف من أن يتمكنوا من مواجهة قريش وجبروتها. ولربما كان بعضهم بحاجة إلى المزيد من التربية النفسية الخاصة، ليتمكن من مواجهة تلك الظروف القاسية مع المشركين.
سر جبن أبي جهل في مواجهة حمزة:
ولا بد من التذكير هنا: بأن أبا جهل، عظيم المشركين وجبارهم مع أنه كان بين أهله وعشيرته، ومع أن عشيرته قد أعلنت عن استعدادها لنصرته، فإنه كان أجبن وأذل من أن يقف في وجه أسد الله وأسد رسوله، وما ذلك إلا لأنه كان من جهة: يعلم فتوة حمزة وعزته، وشدة شكيمته وبطولته، ورأى مدى تصميمه وإصراره، وعرف مقدار استعداده للتضحية والفداء في سبيل دينه، وعقيدته.
ومن الجهة الأخرى: فإن أبا جهل إنما كان يحارب النبي صلى الله عليه وآله ويناقضه، حبا بالحياة، ومن أجل الدنيا، فهو إذن لا يريد الموت إطلاقا، بل هو يهرب منه، ويعده خسارة له، ما بعدها خسارة. أما حمزة رحمه الله، فكان يعتبر الموت في سبيل هذا الدين نصرا وفوزا، تماما بالمقدار الذي يعتبره أبو جهل، ومن هم على شاكلته خسرانا وضياعا فلماذا إذن يخشى الموت ويخافه؟، بل لماذا لا يكون الموت عنده أحلى من العسل، وألذ من الشهد؟.
ومن جهة ثالثة: فإن أبا جهل لم يكن على استعداد لان يحارب بني هاشم في تلك الفترة، التي كان له فيهم أنصار كثيرون، لان حربه لهم لسوف تؤدي إلى أن يخسر هؤلاء الذين يلتقي معهم فكريا وعقيديا، لانهم