المعجزات القاطعة، والبراهين الساطعة.
نعم، إذا كان ذلك كله، فكيف تكون الحال إذا أخبرهم بما هو أكثر غرابة وبعدا عن أذهانهم، وهو رحلته إلى السماوات العلى، وما شاهد فيها من عجائب الصنع، وبديع الخلق؟!.
ولهذا، فإننا نرجح: أنه " صلى الله عليه وآله وسلم " قد تدرج في اخباره لهم بالاسراء والمعراج، فأخبرهم أولا بالاسراء، أما المعراج؟
فأخبر به أولياءه المؤمنين القادرين على التحمل، والتعقل. ثم صار يتوسع في اخباره لغيرهم بذلك في الأوقات المناسبة، وبحسب ما تقتضيه المصلحة، ومتطلبات الدعوة إلى الله تعالى.
الداعية الحكيم:
ولعل مما تقدم يظهر: أنه إذا كان النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " إنما جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، فان من الطبيعي أن يهتم في الحفاظ على الركيزة الايمانية التي يحصل عليها، وأن لا يدخلها في أجواء ليس لها القدرة على استيعابها ولا على مواجهة اخطار الانحراف فيها.
ومن الواضح: أنه إذا أخبرهم بقضية المعراج، مع عدم قدرتهم على التحمل والتفاعل معها ولا على تصورها، فإنهم إذا ارتدوا حينئذ فسيكونون معذورين، ولا سيما إذا كان التصديق بهذه القضية إنما يستند إلى المستوى الايماني لديهم بالدرجة الأولى.
وأما قضية الاسراء، فقد كان بالامكان أن يؤدي الاخبار عنها نفس النتيجة المتوخاة، وهى الجهة الاعجازية ذات الطابع المعين مع امكان الاستناد في مقام الاقناع بها إلى أدلة تقربها إلى الحس، وتجعل القبول بها أيسر وأسهل من تلك، ولا يعتمد فيها على المستوى الايماني