إلى التضحية بعلاقاتهم الحسنة مع كل من يتقبل هذه الدعوة ويناصرها، حتى ولو كانوا أهل المدينة، الذين كانوا يكرهون جدا أن تنشب الحرب فيما بينهم وبينهم، كما تقدم قولهم ذلك لابن أبي. كما أن ذلك يدلنا على مدى ما كان يتعرض له المسلمون في مكة من ظلم واضطهاد.
منازعة الامر أهله:
قد تقدم أن من جملة ما اشترطه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم على أهل المدينة في ضمن نص البيعة، هو أن لا ينازعوا الامر أهله.
لان اشتراط ذلك في نص بيعة حساسة جدا في تاريخ الاسلام، ويتقرر مصير الاسلام على نجاحها وعدمه. وتعريض هذه البيعة لخطر الرفض والانفصام، فيما لو رفضوا الالتزام بذلك - كما كان الحال بالنسبة لبني عامر، حسبما تقدم - ان ذلك لما يدل على أن هذا الامر كان له أهمية قصوى بالنسبة للرسول صلى الله عليه وآله الذي كان رأيه يمثل رأي الاسلام الواقعي. ويوضح أنه لن يتنازل عنه ولو تعرض لأعظم الاخطار.
مما يعني: أن هذا الامر ليس له، لانما هو لله يضعه حيث يشاء. وأن هذا هو الامر الذي إذا لم يبلغه فما بلغ رسالة ربه سبحانه وتعالى.
ويمكن أن نفهم من ذلك أيضا: أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان من أول الأمر يمهد السبيل لجهة معينة وإلا، فكيف ينهى الناس عن منازعة الامر أولئك الأهل المخصوصين والمؤهلين للملك والخلافة، ثم ينسى أن يعين شخص ذلك الخليفة منهم؟!.
وليعطف ذلك على ما تقدم من تعيينه ذلك الشخص حين إنذار عشيرته الأقربين. ثم على ما يأتي بعد من مواقف وتصريحات وكنايات له (ص)، ولا سيما في قضية الغدير.