الكلام على هجرة الحبشة فلا نعيد وإذا كانت قريش قد قاومت الهجرة إلى الحبشة بذلك الشكل القوي، حتى لقد حاولت استرجاع المسلمين من أرض الحبشة. فماذا عساها يكون موقفها من الهجرة إلى المدينة، والتي ترى فيها أعظم الخطر على مصالحها، وعلى وجودها ومستقبلها؟!.
لقد حاولت أن تمنع المسلمين من الهجرة بمختلف الوسائل، فكانت تحبس من تظفر به منهم، وتفتنه عن دينه، وتمارس ضده مختلف أساليب القهر والقسوة، فلم تنجح ولم تفلح وهي من الجهة الأخرى ترى نفسها عاجزة عن التصفية الجسدية لأكثر المسلمين؟ لان المهاجرين كانوا - عموما - من القبائل المكية، وليس قتل أي منهم إلا سببا في إثارة حرب أهلية بين المشركين أنفسهم. وهذا ولا شك ليس في مصلحة قريش في أي حال.
ويشهد لما ذكرناه ما حصل لأبي سلمة حينما خرج بزوجته وولده، فقام إليه رجال من بني المغيرة فاخذوا زوجته منه؟ لأنها منهم، فثار بنو عبد الأسد، قبيلة الزوج؟ فانتزعوا سلمة من أمه (1).
وأدركت قريش: أن هذه الهجرة الواسعة سوف تعقبها هجرة الرسول الأعظم نفسه؟ ليمارس بحرية تامة عملية الريادة، والقيادة، والهداية بشكل أوسع وأعمق. ولسوف يحميه المدنيون بكل ما لديهم.
فلم يكن لديها هم إلا المنع من تحقق ذلك بأي وسيلة تقدر عليها، أو حيلة تهتدى إليها.