نعم، لو لم تكن الحركة اللاحقة مرتبطة بالسابق لم يكتف بقصد المجموع في أول الأمر بعد تصوره، فمن أراد شراء اللحم ثم زيارة مؤمن لم يكتف في صدور زيارة المؤمن التصور والقصد المتعلقان (1) في أول الشروع بالشراء والزيارة، بل لا بد عند الاشتغال بالمشي للزيارة من تصور وقصد متجددين.
إذا عرفت هذا، فنقول: إن من تصور الصلاة مع مقدماتها - من الأذان والإقامة مشتملة على غاية هي إطاعة أمر الله سبحانه بها - فقام واشتغل بالأذان والإقامة، فأذن وأقام وكبر وقرأ وركع وسجد وفعل ذلك في الركعة الأخرى، فلا فرق بين مجموع العمل المصاحب بعضه للتصور والقصد المنفصلين وبين الجزء الأول منه المأتي به معهما وبين باقي الأجزاء التي لم يوجد فيها قصد وتصور تفصيلي أصلا، في كون كل من الثلاثة أمورا اختيارية صادرة عن إرادة واختيار.
فالخلاف حينئذ في أن النية هي الإرادة التفصيلية المنبعثة عن تصور الفعل وغايته المقارنة لأول الجزء المفقودة فعلا في ما عداه وإن كان حكما مستداما - على ما يأتي من تفسير الاستدامة الحكمية - أو أنها أعم منها ومن ذلك الأمر المركوز في الذهن - المعبر عنه في لسان المتأخرين ب " الداعي إلى الفعل والباعث عليه " الذي هو أيضا من قبيل الإرادة، كما عرفت من المحقق الطوسي (2) - وإن لم يشعر به الفاعل، فيكون كل جزء من العمل واقعا عن إرادة مقارنة، إما تفصيلية كما في الجزء الأول،