المطلب الثالث في بيان ما يحتاج إلى الرفع إلى الحاكم والدعوى والرجوع إلى حكمه، وما لا يحتاج إليه ويجوز فيه التقاص بدون الترافع اعلم أن منشأ التخالف بين الشخصين والتنازع في واقعة إما يكون لأجل جهل طالب الحق - الذي هو المدعي - بحكم الواقعة، ولأجله يجوز ثبوت حق له على خصمه فينازعه.
أو جهله بنفس الواقعة، كالدعوى الظنية أو الاحتمالية، على القول بسماعهما.
أو لأجل اختلاف المجتهدين في حكم الواقعة، فطالب الحق يقلد من يقول بثبوت الحق له، وخصمه يقلد من ينفيه، أو الأول يقلد من يثبت حقا في واقعة - كالقصاص - والثاني يقلد من يثبت غيره، كالدية. ومنه تنازع أحد الشركاء الثلاثة في الشفعة، والولد الأكبر مع سائر الورثة في الحبوة، والمتبايعين في لزوم العقد وعدمه في الصيغة الفارسية، وغير ذلك.
أو لأجل إنكار المدعى عليه الحق عدوانا، أو سهوا ونسيانا، أو عدم بقاء الحق وإن لم يكن منكرا.
وقد يكون الاحتياج إلى الرفع إلى الحاكم لمجرد الاستيفاء، من غير سبق منازعة وإنكار - كطالب القصاص ممن يقر بالقتل وهو تحت يد الولي، أو طالب الحق من صغير أو غائب ماله في يده، ونحو ذلك - ويكون النزاع حينئذ فرضيا.