المسألة الثالثة: إذا حكم على الغائب فهل يدفع إلى المدعي المدعى به، أم لا؟
المعروف من مذهب الأصحاب: نعم، ويدل عليه الخبران (1).
وهل هو على الوجوب بعد طلب المدعي، أم الجواز؟
الخبران لا يثبتان أزيد من الجواز، فهو الوجه.
وأما عمومات النهي عن المنكر ونحوها فلا تفيد هنا، إذ مع بقاء الغريم على الحجة وعدم الإحاطة بما يحتج به لا يعلم منكر، ولا حق ثابت بلا كلام حتى يجب استيفاؤه.
وهل يتوقف جواز الدفع على أخذ الكفيل، كما ذهب إليه الشيخ في النهاية والقاضي والحلي على ما حكي عنهم، والمحقق في كتابيه (2)، وجمع من المتأخرين (3)، منهم الوالد العلامة؟
أم لا، كما حكي عن ابن حمزة (4)؟ بل هو مذهب كل من أوجب اليمين هنا، فاكتفوا بالتحليف عن التكفيل.
الحق هو: الأول، للخبرين المتقدمين، ولكن التكفيل فيهما مقيد بعدم كون المدعي مليا، فمع ملاءته لا تكفيل، وهو كذلك، لذلك.
وظاهر أن علة التكفيل والتقييد إنما هي دفع الضرر عن الغريم لو ثبت استحقاقه الاسترداد، وعلى هذا فيجب أن يكون الكفيل من يسهل الاستيفاء عنه، وكذلك الملاءة، فلو كان مليا ولكن كان المال المحكوم به له خطيرا