إليه بالحق للمدعي، وحكم بالظنون التي لم يثبت اعتبارها في حقه، كالبينة الغير المفيدة للعلم أو الإحلاف، أو رد الحلف، أو الاستصحاب، أو نحوها، فإنه تعارضها حينئذ أدلة حرمة المعاونة على الإثم، ولكنهما يتساقطان، فيبقى أصل الجواز خاليا عن المعارض، ولكن الثابت منه ليس إلا الجواز للمدعي العالم بالحق.
وأما المترافع إليه، فلا يجوز له قبول المحاكمة أصلا، إلا إذا علم هو أيضا ثبوت الحق له علما واقعيا، لا بمثل البينة والإحلاف، لأنه ما لم يعلم واقعا ثبوت الحق له لا يعلم ضررا عليه، ولا منكرا من المدعى عليه، حتى تجري في حقه أدلة نفي الضرر، أو وجوب النهي عن المنكر، فلا يجوز له الحكم بالظنون التي تجوز للأهل كالبينة والاستصحاب واليمين ونحوها.
نعم، لو علم ذلك يجوز له من باب النهي عن المنكر أيضا، كجواز ترافع المدعي.
ويحل للمدعي العالم بالحق أخذ ما أخذ بحكمه، ولكن لا يثبت حينئذ قضاء شرعيا يجب على سائر الحكام بعده إنفاذه، ولا على المقتدرين على الإجراء إجراءه، لأنهم أيضا لو علموا بالحق كعلمه لكان واجبا على أنفسهم من باب النهي عن المنكر، وإن لم يعلموا فمن أين يعلمون حقية حكمه، وجريان أدلة نفي الضرر والنهي عن المنكر في حقه حتى يجب عليهم إنفاذه؟!
بل يكون مثل ما إذا كان مال من مورث عند شخص وسمع ذلك الشخص وحده إقرار المورث بأنه مال زيد، فإنه يجوز له إعطاؤه إياه، ولكن لو ادعى الوارث عليه تسمع دعواه، ولا يجب على الحكام قبول قوله.