وارتكاب المشقات التي لا تزيد المتعلمين إلا مرارة وكلالة.
نعم، يمكن إرجاع بعض هذه المقالات إلى ما نحن بصدد تحقيقه، كما سيجيء إن شاء الله تعالى.
فنقول ومن الله التوفيق: إننا إذا سلخنا أذهاننا عن الألفاظ في مثال " سرت من البصرة إلى الكوفة " أو " سر من البصرة إلى الكوفة " لا نرى إلا السير الخارجي ممتدا بهذا الامتداد الخاص، والبصرة، والكوفة، وأما أولية السير وآخريته فليس بحذائهما شيء في الخارج قبال تلك الأشياء الخارجية المذكورة.
نعم، هذا الامتداد المعين الذي يقال له: " السير " إذا وقع في الخارج كان له حد؛ هو الانقطاع والتناهي بالنسبة إلى الطرفين؛ أعني طرفيه المحاذي أحدهما للبصرة، وآخرهما للكوفة، فتعين امتداد السير في الخارج إنما هو بانقطاع أطرافه وتناهيها المحاذي أحدهما للمبدأ، والآخر للمقصد.
وهذا التناهي والانقطاع الخارجي، إنما هو منشأ لانتزاع مفهوم الأولية والآخرية، وهذا من غير أن يكون بإزاء نفس الأولية والآخرية شيء في الخارج، كما يكون بإزاء السير والبصرة والكوفة شيء في الخارج، مع قطع النظر عما يوجد في وعاء الذهن.
وأما اللحاظ الذهني فهو على نحوين:
تارة: يلاحظ عين ما يكون واقعا في الخارج؛ بأن يلاحظ ذلك الامتداد المتناهي الأطراف بالبصرة والكوفة، بدون تعقل للوصف الانتزاعي من الأولية والآخرية اللتين لا حقيقة لهما في الخارج، فتكون حينئذ القضية المعقولة في الذهن قضية تامة مرتبطة بعض أجزائها ببعض، حاكية عما يكون واقعا في الخارج، فيكون نفس هذا الربط بين السير والبصرة وبين السير والكوفة - أي