" إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات " أي هم خدمكم فلا بأس أن يدخلوا عليكم في غير هذه الأوقات بغير إذن، ومعنى (بعض على بعضكم) بعضكم يطوف أو طائف على بعض، وهذه الجملة بدل مما قبلها أو مؤكدة لها. والمعنى أن كلا منكم يطوف على صاحبه العبيد على الموالي والموالي على العبيد ومنه قول الشاعر:
ولما قرعنا النبع بالنبع بعضه * ببعض أبت عيدانه أن تكسرا وقرأ ابن أبي عبلة " طوافين " بالنصب على الحال كما تقدم عن الفراء، وإنما أباح سبحانه الدخول في غير تلك الأوقات الثلاثة بغير استئذان، لأنها كانت العادة أنهم لا يكشفون عوراتهم في غيرها، والإشارة بقوله (كذلك يبين الله لكم الآيات) إلى مصدر الفعل الذي بعده، كما في سائر المواضع في الكتاب العزيز: أي مثل ذلك التبيين يبين الله لكم الآيات الدالة على ما شرعه لكم من الأحكام (والله عليم حكيم) كثير العلم بالمعلومات وكثير الحكمة في أفعاله (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) بين سبحانه هاهنا حكم الأطفال الأحرار إذا بلغوا الحلم بعد ما بين فيما مر حكم الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم في أنه لا جناح عليهم في ترك الاستئذان فيما عدا الأوقات الثلاثة فقال (فليستأذنوا) يعني الذين بلغوا الحلم إذا دخلوا عليكم (كما استأذن الذين من قبلهم) والكاف نعت مصدر محذوف: أي استئذانا كما استأذن الذين من قبلهم، والموصول عبارة عن الذين قيل لهم - لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا - الآية. والمعنى: أن هؤلاء الذين بلغوا الحلم يستأذنون في جميع الأوقات كما استأذن الذين من قبلهم من الكبار الذين أمروا بالاستئذان من غير استثناء، ثم كرر ما تقدم للتأكيد فقال (كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم) وقرأ الحسن " الحلم " فحذف الضمة لثقلها. قال عطاء: واجب على الناس أن يستأذنوا إذا احتلموا أحرارا كانوا أو عبيدا. وقال الزهري: يستأذن الرجل على أمه، وفى هذا المعنى نزلت هذه الآية، والمراد بالقواعد من النساء:
العجائز التي قعدن عن الحيض والولد من الكبر، واحدتها قاعد بلا هاء ليدل حذفها على أنه قعود الكبر، كما قالوا: امرأة حامل ليدل بحذف الهاء على أنه حمل حبل، ويقال: قاعدة في بيتها وحاملة على ظهرها. قال الزجاج:
هن اللاتي قعدن عن التزويج، وهو معنى قوله (اللاتي لا يرجون نكاحا) أي لا يطمعن فيه لكبرهن. وقال أبو عبيدة: اللاتي قعدن عن الولد، وليس هذا بمستقيم، لأن المرأة تقعد عن الولد وفيها مستمتع، ثم ذكر سبحانه حكم القواعد فقال (فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) أي الثياب التي تكون على ظاهر البدن كالجلباب ونحوه، لا الثياب التي على العورة الخاصة، وإنما جاز لهن لانصراف الأنفس عنهن إذ لا رغبة للرجال فيهن، فأباح الله سبحانه لهن ما لم يبحه لغيرهن، ثم استثنى حالة من حالاتهن فقال (غير متبرجات بزينة) أي غير مظهرات للزينة التي أمرت بإخفائها في قوله - ولا يبدين زينتهن - والمعنى: من غير أن يردن بوضع الجلاليب إظهار زينتهن ولا متعرضات بالتزين لينظر إليهن الرجال. والتبرج التكشف والظهور للعيون، ومنه - بروج مشيدة - وبروج السماء، ومنه قولهم: سفينة بارجة: أي لا غطاء عليها (وأن يستعففن خير لهن) أي وأن يتركن وضع الثياب فهو خير لهن من وضعها. وقرأ عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس " أن يضعن من ثيابهن " بزيادة من، وقرأ ابن مسعود " وان يعففن " بغير سين (والله سميع عليم) كثير السماع والعلم أو بليغهما (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) اختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة؟ قال بالأول جماعة من العلماء، وبالثاني جماعة. قيل إن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك وقالوا: لا ندخلها وهم غيب، فنزلت هذه الآية رخصة لهم، فمعنى الآية نفي الحرج عن