لهم بفنائهم، والساحة في اللغة: فناء الدار الواسع. قال الفراء: نزل بساحتهم ونزل بهم سواء. قال الزجاج: وكان عذاب هؤلاء بالقتل، قيل المراد به نزول رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم بساحتهم يوم فتح مكة. قرأ الجمهور " نزل " مبنيا للفاعل. وقرأ عبد الله بن مسعود على البناء للمفعول، والجار والمجرور قائم مقام الفاعل (فساء صباح المنذرين) أي بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب، والمخصوص بالذم محذوف: أي صباحهم. وخص الصباح بالذكر لأن العذاب كان يأتيهم فيه. ثم كرر سبحانه ما سبق تأكيدا للوعد بالعذاب فقال (وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون) وحذف مفعول أبصر هاهنا وذكره أولا إما للدلالة الأول عليه فتركه هنا اختصارا، أو قصدا إلى التعميم للإيذان بأن ما يبصره من أنواع عذابهم لا يحيط به الوصف، وقيل هذه الجملة المراد بها أحوال القيامة، والجملة الأولى المراد بها عذابهم في الدنيا، وعلى هذا فلا يكون من باب التأكيد، بل من باب التأسيس.
ثم نزه سبحانه نفسه عن قبيح ما يصدر منهم فقال (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) العزة الغلبة والقوة، والمراد تنزيهه عن كل ما يصفونه به مما لا يليق بجنابه الشريف، ورب العزة بدل من ربك. ثم ذكر ما يدل على تشريف رسله وتكريمهم فقال (وسلام على المرسلين) أي الذين أرسلهم إلى عباده وبلغوا رسالاته، وهو من السلام الذي هو التحية، وقيل معناه أمن لهم وسلامة من المكاره (والحمد لله رب العالمين) إرشاد لعباده إلى حمده على إرسال رسله إليهم مبشرين ومنذرين، وتعليم لهم كيف يصنعون عند إنعامه عليهم وما يثنون عليه به، وقيل إنه الحمد على هلاك المشركين ونصر الرسل عليهم، والأولى أنه حمد لله سبحانه على كل ما أنعم به على خلقه أجمعين كما يفيده حذف المحمود عليه، فإن حذفه مشعر بالتعميم كما تقرر في علم المعاني، والحمد هو الثناء الجميل بقصد التعظيم.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (وجعلوا بينه وبين الجنة نسيا) قال: زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى هو وإبليس أخوان. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله (فإنكم وما تعبدون) قال: فإنكم يا معشر المشركين وما تعبدون: يعني الآلهة (ما أنتم عليه بفاتنين) قال: بمضلين (إلا من هو صال الجحيم) يقول: إلا من سبق في علمي أنه سيصلى الجحيم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية يقول: إنكم لا تضلون أنتم ولا أضل منكم إلا من قضيت عليه أنه صال الجحيم. وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عنه أيضا في الآية قال:
لا تفتنون إلا من هو صال الجحيم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا في قوله (وما منا إلا له مقام معلوم) قال: الملائكة (وإنا لنحن الصافون) قال: الملائكة (وإنا لنحن المسبحون) قال: الملائكة. وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم، وذلك قول الملائكة (وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون) ". وأخرج محمد بن نصر وابن عساكر عن العلاء بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوما لأصحابه " أطت السماء وحق لها أن تئط، ليس فها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد، ثم قرأ (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) ". وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد ابن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال " إن من السماوات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه قائما أو ساجدا، ثم قرأ (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) ". وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، إن السماء أطت وحق لها أن تئط،