وقال الفراء: المكان الخالي. وروي عن أبي عبيدة أيضا أنه قال: هو وجه الأرض، وأنشد لرجل من خزاعة:
ورفعت رجلا لا أخاف عثارها * ونبذت بالبلد العراء ثيابي والمعنى: أن الله طرحه من بطن الحوت في الصحراء الواسعة التي لا نبات فيها، وهو عند إلقائه سقيم لما ناله في بطن الحوت من الضرر، قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد.
وقد استشكل بعض المفسرين الجمع بين ما وقع هنا من قوله (فنبذناه بالعراء)، وقوله في موضع آخر - لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم - فإن هذه الآية تدل على أنه لم ينبذ بالعراء. وأجاب النحاس وغيره بأن الله سبحانه أخبرها هنا أنه نبذ بالعراء وهو غير مذموم، ولولا رحمته عز وجل لنبذ بالعراء وهو مذموم (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) أي شجرة فوقه تظلل عليه، وقيل معنى عليه عنده وقيل معنى عليه له. واليقطين هي شجرة الدباء. وقال المبرد: اليقطين يقال لكل شجرة ليس لها ساق، بل تمتد على وجه الأرض نحو الدباء والبطيخ والحنظل، فإن كان لها ساق يقلها فيقال لها شجرة فقط، وهذا قول الحسن ومقاتل وغيرهما. وقال سعيد بن جبير: هو كل شئ ينبت ثم يموت من عامه. قال الجوهري: اليقطين مالا ساق له من شجر كشجر القرع ونحوه.
قال الزجاج: اشتقاق اليقطين من قطن بالمكان: أي أقام به فهو يفعيل، وقيل هو اسم أعجمي. قال المفسرون:
كان يستظل بظلها من الشمس، وقيض الله له أروية من الوحش تروح عليه بكرة وعشية، فكان يشرب من لبنها حتى اشتد لحمه ونبت شعره ثم أرسله الله بعد ذلك، وهو معنى قوله (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) هم قومه الذين هرب منهم إلى البحر وجرى له ما جرى بعد هربه كما قصه الله علينا في هذه السورة، وهم أهل نينوى.
قال قتادة: أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل، وقد مر الكلام على قصته في سورة يونس مستوفى، " وأو " في أو يزيدون قيل هي بمعنى الواو، والمعنى: ويزيدون. وقال الفراء: أو ها هنا بمعنى بل، وهو قول مقاتل والكلبي. وقال المبرد والزجاج والأخفش: أو هنا على أصله، والمعنى: أو يزيدون في تقديركم إذا رآهم الرائي قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون، فالشك إنما دخل على حكاية قول المخلوقين. قال مقاتل والكلبي:
كانوا يزيدون عشرين ألفا. وقال الحسن: بضعا وثلاثين ألفا. وقال سعيد بن جبير: سبعين ألفا. وقرأ جعفر ابن محمد ويزيدون بدون ألف الشك.
وقد وقع الخلاف بين المفسرين هل هذا الإرسال المذكور هو الذي كان قبل التقام الحوت له، وتكون الواو في وأرسلناه لمجرد الجمع بين ما وقع له مع الحوت وبين إرساله إلى قومه من غير اعتبار تقديم ما تقدم في السياق وتأخير ما تأخر، أو هو إرسال له بعد ما وقع له مع الحوت ما وقع على قولين، وقد قدمنا الإشارة إلى الاختلاف بين أهل العلم هل كان قد أرسل قبل أن يهرب من قومه إلى البحر أو لم يرسل إلا بعد ذلك؟ والراجح أنه كان رسولا قبل أن يذهب إلى البحر كما يدل عليه ما قدمنا في سورة يونس وبقي مستمرا على الرسالة، وهذا الإرسال المذكور هنا هو بعد تقدم نبوته ورسالته (فآمنوا فمتعناهم إلى حين) أي وقع منهم الإيمان بعد ما شاهدوا أعلام نبوته فمتعهم الله في الدنيا إلى حين انقضاء آجالهم ومنتهى أعمارهم.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن مسعود قال: إلياس هو إدريس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم الخضر هو إلياس. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل وضعفه عن أنس قال " كنا مع رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم في سفر، فنزل منزلا فإذا رجل في الوادي يقول: اللهم اجعلني من