يضيء بنفسه من غير أن تمسه النار أصلا، وارتفاع (نور) على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هو نور، و (على نور) متعلق بمحذوف هو صفة لنور مؤكدة له، والمعنى: هو نور كائن على نور. قال مجاهد: والمراد النار على الزيت. وقال الكلبي: المصباح نور، والزجاجة نور، وقال السدي: نور الإيمان ونور القرآن (يهدي الله لنوره من يشاء) من عباده: أي هداية خاصة موصلة إلى المطلوب، وليس المراد بالهداية هنا مجرد الدلالة (ويضرب الله الأمثال للناس) أي يبين الأشياء بأشباهها ونظائرها تقريبا لها إلى الأفهام وتسهيلا لإدراكها، لأن إبراز المعقول في هيئة المحسوس وتصويره بصورته يزيده وضوحا وبيانا (والله بكل شئ عليم) لا يغيب عنه شئ من الأشياء معقولا كان أو محسوسا، ظاهرا أو باطنا، واختلف في قوله (في بيوت أذن الله أن ترفع) بما هو متعلق، فقيل متعلق بما قبله: أي كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد، كأنه قيل مثل نوره كما ترى في المسجد نور المشكاة التي صفتها كيت وكيت، وقيل متعلق بمصباح. وقال ابن الأنباري: سمعت أبا العباس يقول: هو حال للمصباح والزجاجة والكوكب، كأنه قيل: وهي في بيوت، وقيل متعلق يتوقد: أي توقد في بيوت، وقد قيل متعلق بما بعده، وهو يسبح: أي يسبح له رجال في بيوت، وعلى هذا يكون قوله " فيها " تكريرا كقولك، زيد في الدار جالس فيها. وقيل إنه منفصل عما قبله، كأنه قال الله: في بيوت أذن الله أن ترفع. قال الحكيم الترمذي: وبذلك جاءت الأخبار أنه من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه. وقد قيل على تقدير تعلقه بمشكاة أو بمصباح أو بتوقد ما الوجه في توحيد المصباح والمشكاة وجمع البيوت؟ ولا تكون المشكاة الواحدة ولا المصباح الواحد إلا في بيت واحد. وأجيب بأن هذا الخطاب الذي يفتح أوله بالتوحيد، ويختم بالجمع كقوله سبحانه - يا أيها النبي إذا طلقتم النساء - ونحوه. وقيل معنى في بيوت: في كل واحد من البيوت، فكأنه قال: في كل بيت، أو في كل واحد من البيوت. واختلف الناس في البيوت، على أقوال: الأول أنها المساجد، وهو قول مجاهد والحسن وغيرهما. الثاني أن المراد بها بيوت بيت المقدس، روى ذلك عن الحسن. الثالث أنها بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، روي عن مجاهد: الرابع هي البيوت كلها، قاله عكرمة. الخامس أنها المساجد الأربعة الكعبة، ومسجد قباء، ومسجد المدينة، ومسجد بيت المقدس، قاله ابن زيد. والقول الأول أظهر لقوله (يسبح له فيها بالغدو والآصال) والباء من بيوت تضم وتكسر كل ذلك ثابت في اللغة، ومعنى أذن الله أن ترفع:
أمر وقضى، ومعنى ترفع تبنى، قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما، ومنه قوله سبحانه - وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت - وقال الحسن البصري وغيره: معنى ترفع تعظم ويرفع شأنها وتطهر من الأنجاس والأقذار، ورجحه الزجاج.
وقيل المراد بالرفع هنا مجموع الأمرين، ومعنى (يذكر فيها اسمه) كل ذكر لله عز وجل، وقيل هو التوحيد، وقيل المراد تلاوة القرآن، والأول أولى (يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال) قرأ ابن عامر وأبو بكر " يسبح " بفتح الباء الموحدة مبنيا للمفعول، وقرأ الباقون بكسرها مبنيا للفاعل إلا ابن وثاب وأبا حيوة فإنهما قرآ بالتاء الفوقية وكسر الموحدة، فعلى القراءة الأولى يكون القائم مقام الفاعل أحد المجرورات الثلاثة، ويكون رجال مرفوع على أحد وجهين: إما بفعل مقدر، وكأنه جواب سؤال مقدر، كأنه قيل من يسبحه؟ فقيل يسبحه رجال. الثاني أن رجال مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. وعلى القراءة الثانية يكون رجال فاعل يسبح، وعلى القراءة الثالثة يكون الفاعل أيضا رجال، وإنما أنث الفعل لكون جمع التكسير يعامل معاملة المؤنث في بعض الأحوال.
واختلف في هذا التسبيح ما هو؟ فالأكثرون حملوه على الصلاة المفروضة، قالوا: الغدو صلاة الصبح، والآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين، لأن اسم الآصال يشملها، ومعنى بالغدو والآصال: بالغداة والعشي