وقوعها. قرأ الجمهور " أذن " بفتح الهمزة: أي أذن له الله سبحانه: لأن اسمه سبحانه مذكور قبل هذا، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بضمها على البناء للمفعول، والآذن هو الله سبحانه، ومثل هذه الآية قوله تعالى - من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه - وقوله - ولا يشفعون إلا لمن ارتضى - ثم أخبر سبحانه عن خوف هؤلاء الشفعاء والمشفوع لهم فقال (حتى إذا فزع عن قلوبهم) قرأ الجمهور " فزع " مبنيا للمفعول، والفاعل هو الله، والقائم مقام الفاعل هو الجار والمجرور، وقرأ ابن عامر " فزع " مبنيا للفاعل، وفاعله ضمير يرجع إلى الله سبحانه، وكلا القراءتين بتشديد الزاي، وفعل معناه السلب، فالتفزيع إزالة الفزع. وقرأ الحسن مثل قراءة الجمهور إلا أنه خفف الزاي. قال قطرب: معنى فزع عن قلوبهم أخرج ما فيها من الفزع، وهو الخوف. وقال مجاهد: كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة. والمعنى: أن الشفاعة لا تكون من أحد من هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام، إلا أن الله سبحانه يأذن للملائكة والأنبياء ونحوهم في الشفاعة لمن يستحقها، وهم على غاية النزع من الله كما قال تعالى - وهم من خشيته مشفقون - فإذا أذن لهم في الشفاعة فزعوا لما يقترن بتلك الحالة من الأمر الهائل والخوف الشديد من أن يحدث شئ من أقدار الله، فإذا سرى عليهم (قالوا) للملائكة فوقهم، وهم الذين يوردون عليهم الوحي بالإذن (ماذا قال ربكم) أي ماذا أمر به، فيقولون لهم قال: القول (الحق) وهو قبول شفاعتكم للمستحقين لها دون غيرهم (وهو العلي الكبير) فله أن يحكم في عباده بما يشاء ويفعل ما يريد، وقيل هذا الفزع يكون للملائكة في كل أمر يأمر به الرب. والمعنى: لا تنفع الشفاعة إلا من الملائكة الذين هم فزعون اليوم مطيعون لله، دون الجمادات والشياطين، وقيل إن الذين يقولون: ماذا قال ربكم هم المشفوع لهم، والذين أجابوهم: هم الشفعاء من الملائكة والأنبياء. وقال الحسن وابن زيد ومجاهد: معنى الآية: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين في الآخرة. قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا الحق، فأقروا حين لا ينفعهم الإقرار. وقرأ ابن عمر وقتادة: فرغ بالراء المهملة والغين المعجمة من الفراغ. والمعنى: فرغ الله قلوبهم: أي كشف عنها الخوف. وقرأ ابن مسعود " افرنقع " بعد الفاء راء مهملة ثم نون ثم قاف ثم عين مهملة من الافرنقاع وهو التفرق. ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يبكت المشركين ويوبخهم فقال (قل من يرزقكم من السماوات والأرض) أي من ينعم عليكم بهذه الأرزاق التي تتمتعون بها، فإن آلهتكم لا يملكون مثقال ذرة، والرزق من السماء هو المطر وما ينتفع به منها من الشمس والقمر والنجوم، والرزق من الأرض هو النبات والمعادن ونحو ذلك ولما كان الكفار لا يقدرون على جواب هذا الاستفهام، ولم تقبل عقولهم نسبة هذا الرزق إلى آلهتهم، وربما يتوقفون في نسبته إلى الله مخافة أن تقوم عليهم الحجة، فأمر الله رسوله بأن يجيب عن ذلك فقال (قل الله) أي هو الذي يرزقكم من السماوات والأرض، ثم أمره سبحانه أن يخبرهم بأنهم على ضلالة، لكن على وجه الإنصاف في الحجة بعد ما سبق تقرير من هو على الهدى ومن هو على الضلالة، فقال (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) والمعنى: أن أحد الفريقين من الذين يوحدون الله الخالق الرازق ويخصونه بالعبادة، والذين يعبدون الجمادات التي لا تقدر على خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضر لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلالة، ومعلوم لكل عاقل أن من عبد الذي يخلق ويرزق وينفع ويضر هو الذي على الهدى، ومن عبد الذي لا يقدر على خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضر هو الذي على الضلالة، فقد تضمن هذا الكلام بيان فريق الهدى، وهم المسلمون، وفريق الضلالة وهم المشركون على وجه أبلغ من التصريح. قال المبرد: ومعنى هذا الكلام معنى قول المتبصر في الحجة لصاحبه: أحدنا كاذب، وقد عرف أنه الصادق المصيب، وصاحبه الكاذب المخطئ. قال: وأو عند البصريين
(٣٢٥)