اللتين كانتا مشتملتين على تلك الفواكه الطيبة والأنواع الحسنة وأعطيناهم بدلهما جنتين لا خير فيهما ولا فائدة لهم فيما هو نابت فيهما، ولهذا قال (ذواتي أكل خمط) قرأ الجمهور بتنوين " أكل " وعدم إضافته إلى " خمط " وقرأ أبو عمرو بالإضافة. قال الخليل: الخمط الأراك، وكذا قال كثير من المفسرين. وقال أبو عبيدة: الخمط كل شجرة مرة ذات شوك. وقال الزجاج: كل نبت فيه مرارة لا يمكن أكله. وقال المبرد: كل شئ تغير إلى مالا يشتهي يقال له خمط، ومنه اللبن إذا تغير، وقراءة الجمهور أولى من قراءة أبي عمرو. والخمط نعت لأكل أو بدل منه، لأن الأكل هو الخمط بعينه. وقال الأخفش: الإضافة أحسن في كلام العرب: مثل ثوب خز ودار آجر، والأولى تفسير الخمط بما ذكره الخليل ومن معه. قال الجوهري: الخمط ضرب من الأراك له حمل يؤكل، وتسمية البدل جنتين للمشاكلة أو التهكم بهم، والأثل هو الشجر المعروف الشبيه بالطرفاء كذا قال الفراء وغيره قال:
إلا أنه أعظم من الطرفاء طولا، الواحدة أثلة، والجمع أثلاث. وقال الحسن: الأثل الخشب. وقال أبو عبيدة:
هو شجر النطار، والأول أولى، ولا ثمر للأثل. والسدر شجر معروف. قال الفراء: هو السمر. قال الأزهري:
السدر من الشجر سدران: بري لا ينتفع به ولا يصلح للغسول، وله ثمر عفص لا يؤكل، وهو الذي يسمى الضال. والثاني سدر ينبت على الماء وثمره النبق، وورقه غسول يشبه شجر العناب. قيل ووصف السدر بالقلة لأن منه نوعا يطيب أكله، وهو النوع الثاني الذي ذكره الأزهري. قال قتادة: بينما شجرهم من خير شجر إذ صيره الله من ثمر الشجر بأعمالهم، فأهلك أشجارهم المثمرة وأنبت بدلها الأراك والطرفاء والسدر. ويحتمل أن يرجع قوله (قليل) إلى جميع ما ذكر من الخمط والأثل والسدر. والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم من التبديل، أو إلى مصدر (جزيناهم) والباء في (بما كفروا) للسببية: أي ذلك التبديل، أو ذلك الجزاء بسبب كفرهم للنعمة بإعراضهم عن شكرها (وهل نجازي إلا الكفور) أي وهل نجازي هذا الجزاء بسلب النعمة ونزول النقمة إلا الشديد الكفر المتبالغ فيه. قرأ الجمهور " يجازى " بضم التحتية وفتح الزاي على البناء للمفعول. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص بالنون وكسر الزاي على البناء للفاعل وهو الله سبحانه، والكفور على القراءة الأولى مرفوع، وعلى القراءة الثانية منصوب، واختار القراءة الثانية أبو عبيد وأبو حاتم قالا: لأن قبله (جزيناهم) وظاهر الآية أنه لا يجازي إلا الكفور مع كون أهل المعاصي يجازون، وقد قال قوم: إن معنى الآية أنه لا يجازي هذا الجزاء، وهو الاصطدام والإهلاك إلا من كفر. وقال مجاهد: إن المؤمن يكفر عنه سيئاته، والكافر يجازى بكل عمل عمله. وقال طاووس: هو المناقشة في الحساب، وأما المؤمن فلا يناقش. وقال الحسن: إن المعنى إنه يجازي الكافر مثلا بمثل ورجح هذا الجواب النحاس (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) هذا معطوف على قوله - لقد كان لسبأ - أي وكان من قصتهم: أنا جعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها بالماء والشجر، وهي قرى الشام (قرى ظاهرة) أي متواصلة، وكان متجرهم من أرضهم التي هي مأرب إلى الشام، وكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى حتى يرجعوا، وكانوا لا يحتاجون إلى زاد يحملونه من أرضهم إلى الشام، فهذا من جملة الحكاية لما أنعم الله به عليهم.
قال الحسن: إن هذه القرى هي بين اليمن والشام، قيل إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية، وقيل هي بين المدينة والشام. وقال المبرد: القرى الظاهرة هي المعروفة، وإنما قيل لها ظاهرة لظهورها، إذا خرجت من هذه ظهرت لك الأخرى فكانت قرى ظاهرة: أي معروفة، يقال هذا أمر ظاهر: أي معروف (وقدرنا فيها السير) أي جعلنا السير من القرية إلى القرية مقدارا معينا واحدا، وذلك نصف يوم كما قال المفسرون. قال الفراء: أي جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل في قرية، والمبيت في أخرى إلى أن يصل إلى الشام، وإنما