وأقول: لا وجه لتقدير المضاف، فإن القرآن قد جاء كما جاء صاحبه (وما يبدئ الباطل وما يعيد) أي ذهب الباطل ذهابا لم يبق منه إقبال ولا إدبار ولا إبداء ولا إعادة. قال قتادة: الباطل هو الشيطان: أي ما يخلق لشيطان ابتداء ولا يبعث، وبه قال مقاتل والكلبي. وقيل يجوز أن تكون ما استفهامية: أي أي شئ يبديه وأي شئ يعيده؟ والأول أولى (قل إن ضللت) عن الطريق الحقة الواضحة (فإنما أضل على نفسي) أي إثم ضلالتي يكون على نفسي، وذلك أن الكفار قالوا له تركت دين آبائك فضللت، فأمره الله أن يقول لهم هذا القول (وإن اهتديت فيما يوحى إلى ربي) من الحكمة والموعظة والبيان بالقرآن (إنه سميع قريب) مني ومنكم يعلم الهدي والضلالة، قرأ الجمهور " ضللت " بفتح اللام، وقرأ الحسن ويحيى بن وثاب بكسر اللام، وهي لغة أهل العالية.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (وما بلغوا معشار ما آتيناهم) يقول: من القوة في الدنيا. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في الآية قال: يقوم الرجل مع الرجل أو وحده فيفكر ما بصاحبه من جنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة (ما بصاحبكم من جنة) يقول: إنه ليس بمجنون. وأخرج هؤلاء عنه أيضا في قوله (ما سألتكم من أجر) أي من جعل فهو لكم، يقول: لم أسألكم على الإسلام جعلا، وفي قوله (قل إن ربي يقذف بالحق) قال: بالوحي، وفي قوله (وما يبدئ الباطل وما يعيد) قال: الشيطان لا يبدئ ولا يعيد إذا هلك.
وأخرج هؤلاء أيضا عنه في قوله (وما يبدئ الباطل وما يعيد) قال: ما يخلق إبليس شيئا ولا يبعثه. وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر عن عمر بن سعد في قوله (إن ضللت فإنما أضل على نفسي) قال: إنما أوخذ بجنايتي.
ثم ذكر سبحانه حالا من أحوال الكفار فقال (ولو ترى إذ فزعوا) والخطاب لرسول الله، أو لكل من يصلح له، قيل المراد فزعهم عند نزول الموت بهم. وقال الحسن: هو فزعهم في القبور من الصيحة، وقال قتادة: هو فزعهم إذا خرجوا من قبورهم. وقال السدي: هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة فلم يستطيعوا فرارا ولا رجوعا إلى التوبة. وقال ابن مغفل: هو فزعهم إذا عاينوا عقاب الله يوم القيامة.
وقال سعيد بن جبير: هو الخسف الذي يخسف بهم في البيداء، فيبقى رجل منهم فيخبر الناس بما لقي أصحابه فيفزعون. وجواب لو محذوف: أي لرأيت أمرا هائلا، ومعنى (فلا فوت) فلا يفوتني أحد منهم ولا ينجو منهم ناج. قال مجاهد: فلا مهرب (وأخذوا من مكان قريب) من ظهر الأرض أو من القبور أو من موقف الحساب وقيل من حيث كانوا، فهم من الله قريب لا يبعدون عنه ولا يفوتونه. قيل ويجوز أن يكون هذا الفزع هو الفزع الذي بمعنى الإجابة، يقال فزع الرجل: إذا أجاب الصارخ الذي يستغيث به كفزعهم إلى الحرب يوم بدر (وقالوا آمنا به) أي بمحمد، قاله قتادة، أو بالقرآن. وقال مجاهد: بالله عز وجل. وقال الحسن: بالبعث (وأنى لهم