صعوبته وشدة أهواله على الكفار كخمسين ألف سنة، والعرب تصف كثيرا يوم المكروه بالطول كما تصف يوم السرور بالقصر كما قال الشاعر:
ويوم كظل الرمح قصر طوله * دم الزق عنا واصطفاف المزاهر وقول الآخر: * ويوم كإبهام القطاة قطعته * وقيل إن يوم القيامة فيه أيام، فمنها ما مقداره ألف سنة، ومنها ما مقداره خمسون ألف سنة. وقيل هي أوقات مختلفة يعذب الكافر بنوع من أنواع العذاب ألف سنة، ثم ينقل إلى نوع آخر، فيعذب به خمسين ألف سنة. وقيل مواقف القيامة خمسون موقفا كل موقف ألف سنة، فيكون معنى (يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة) أنه يعرج إليه في وقت من تلك الأوقات أو موقف من تلك المواقف. وحكى الثعلبي عن مجاهد وقتادة والضحاك أنه أراد سبحانه في قوله (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) المسافة من الأرض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل، والمراد أنه يسير جبريل ومن معه من الملائكة في ذلك المقام إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة في مقدار يوم واحد من أيام الدنيا، وأراد بقوله (في يوم كان مقداره ألف سنة) المسافة التي بين الأرض وبين سماء الدنيا هبوطا وصعودا فإنها مقدار ألف سنة من أيام الدنيا. وقيل إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر، وذلك لأن من نفذ أمره غاية النفاذ في يوم أو يومين وانقطع لا يكون مثل من ينفذ أمره في سنين متطاولة، فقوله (في يوم كان مقداره ألف سنة) يعني يدبر الأمر في زمان يوم منه ألف سنة، فكم يكون الشهر منه؟ وكم تكون السنة منه؟ وعلى هذا فلا فرق بين ألف سنة وبين خمسين ألف سنة. وقيل غير ذلك. وقد وقف حبر الأمة ابن عباس لما سئل عن الآيتين كما سيأتي في آخر البحث إن شاء الله. قرأ الجمهور (مما تعدون) بالفوقية على الخطاب، وقرأ الحسن والسلمي وابن وثاب والأعمش بالتحتية على الغيبة، والإشارة بقوله (ذلك) إلى الله سبحانه باعتبار اتصافه بتلك الأوصاف، وهو مبتدأ وخبره (عالم الغيب والشهادة) أي العالم بما غاب عن الخلق وما حضرهم. وفي هذا معنى التهديد لأنه سبحانه إذا علم بما يغيب وما يحضر فهو مجاز لكل عامل بعمله، أو فهو يدبر الأمر بما تقتضيه حكمته (العزيز) القاهر الغالب (الرحيم) بعباده، وهذه أخبار لذلك المبتدأ، وكذلك قوله (الذي أحسن كل شئ خلقه) هو خبر آخر.
قرأ الجمهور " خلقه " بفتح اللام. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بإسكانها، فعلى القراءة الأولى هو فعل ماض نعتا لشئ، فهو في محل جر. وقد اختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم، ويجوز أن تكون صفة للمضاف، فيكون في محل نصب. وأما على القراءة الثانية ففي نصبه أوجه: الأول أن يكون بدلا من كل شئ بدل اشتمال، والضمير عائد إلى كل شئ، وهذا هو الوجه المشهور عند النحاة. الثاني أنه بدل كل من كل، والضمير راجع إلى الله سبحانه، ومعنى أحسن: حسن، لأنه مامن شئ إلا وهو مخلوق على ما تقتضيه الحكمة، فكل المخلوقات حسنة. الثالث أن يكون كل شئ هو المفعول الأول، وخلقه هو المفعول الثاني على تضمين أحسن معنى أعطى، والمعنى: أعطى كل شئ خلقه الذي خصه به. وقيل على تضمينه معنى ألهم. قال الفراء: ألهم خلقه كل شئ مما يحتاجون إليه. الرابع أنه منصوب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة: أي خلقه خلقا كقوله - صنع الله - وهذا قول سيبويه والضمير يعود إلى الله سبحانه. والخامس أنه منصوب بنزع الخافض، والمعنى أحسن كل شئ في خلقه، ومعنى الآية: أنه أتقن وأحكم خلق مخلوقاته، فبعض المخلوقات وإن لم تكن حسنة في نفسها، فهي متقنة محكمة، فتكون هذه الآية معناها معنى - أعطى كل شئ خلقه - أي يخلق الإنسان على خلق البهيمة وخلق لا البهيمة على خلق الإنسان، وقيل هو عموم في اللفظ خصوص في المعنى: أي أحسن خلق كل شئ حسن (وبدأ