والله أعلم يومئذ محرما اه وقول مالك هذا رواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك جازما به أخرجه الدارقطني في الغرائب ووقع في الموطأ من رواية أبى مصعب وغيره قال مالك قال ابن شهاب ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما وهذا مرسل ويشهد له ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير احرام وروى ابن أبي شيبة باسناد صحيح عن طاوس قال لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة الا محرما الا يوم فتح مكة وزعم الحاكم في الإكليل ان بين حديث أنس في المغفر وبين حديث جابر في العمامة السوداء معارضة وتعقبوه باحتمال ان يكون أول دخوله كان على رأسه المغفر ثم أزالة ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل منهما ما رآه ويؤيده ان في حديث عمرو بن حريث انه خطب الناس وعليه عمامة سوداء أخرجه مسلم أيضا وكانت الخطبة عند باب الكعبة وذلك بعد تمام الدخول وهذا الجمع لعياض وقال غيره يجمع بان العمامة السوداء كانت ملفوفة فوق المغفر أو كانت تحت المغفر وقاية لرأسه من صدا الحديد فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متهيئا للحرب وأراد جابر بذكر العمامة كونه دخل غير محرم وبهذا يندفع اشكال من قال لا دلالة في الحديث على جواز دخول مكة بغير احرام لاحتمال ان يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان محرما ولكنه غطى رأسه لعذر فقد ندفع ذلك بتصريح جابر بأنه لم يكن محرما لكن فيه اشكال من وجه آخر لأنه صلى الله عليه وسلم كان متأهبا للقتال ومن كان كذلك جاز له الدخول بغير احرام عند الشافعية وإن كان عياض نقل الاتفاق على مقابله وأما من قال من الشافعية كابن القاص دخول مكة بغير احرام من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر لان الخصوصية لا تثبت الا بدليل لكن زعم الطحاوي ان دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي شريح وغيره انها لم تحل له الا ساعة من نهار وأن المراد بذلك جواز دخولها له بغير احرام لا تحريم القتل والقتال فيها لانهم أجمعوا على أن المشركين لو غلبوا والعياذ بالله تعالى على مكة حل للمسلمين قتالهم وقتلهم فيها وقد عكس استدلاله النووي فقال في الحديث دلالة على أن مكة تبقى دار اسلام إلى يوم القيامة فبطل ما صوره الطحاوي وفى دعواه الاجماع نظر فان الخلاف ثابت كما تقدم وقد حكاه القفال والماوردي وغيرهما واستدل بحديث الباب على أنه صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة وأجاب النووي بأنه صلى الله عليه وسلم كان صالحهم لكن لما لم يأمن غدرهم دخل متأهبا وهذا جواب قوى الا ان الشأن في ثبوت كونه صالحهم فإنه لا يعرف في شئ من الاخبار صريحا كما سيأتي وايضاحه في الكلام على فتح مكة من المغازي إن شاء الله تعالى واستدل بقصة ابن خطل على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة قال ابن عبد البر كان قتل ابن خطل قودا من قتله المسلم وقال السهيلي فيه ان الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب وقال النووي تأول من قال لا يقتل فيها على أنه صلى الله عليه وسلم قتله في الساعة التي أبيحت له وأجاب عنه أصحابنا بأنها انما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وأذعن أهلها وانما قتل ابن خطل بعد ذلك انتهى وتعقب بما تقدم في الكلام على حديث أبي شريح ان المراد بالساعة التي أحلت له ما بين أول النهار ودخول وقت العصر وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعا لأنه قيد في الحديث بأنه كان عند نزعه المغفر وذلك عند استقراره بمكة وقد قال ابن خزيمة المراد بقوله في حديث ابن عباس ما أحل الله لاحد فيه القتل غيري أي
(٥٣)