اعتكف العشر الأول ثم اعتكف العشر الأوسط ثم اعتكف العشر الأواخر ومثله في رواية همام المذكورة وزاد فيها ان جبريل أتاه في المرتين فقال له ان الذي تطلب أمامك وهو بفتح الهمزة والميم أي قدامك قال الطيبى وصف الأول والأوسط بالمفرد والأخير بالجمع إشارة إلى تصوير ليلة القدر في كل ليلة من ليالي العشر الأخير دون الأولين (قوله فخرج صبيحة عشرين فخطبنا) في رواية مالك المذكورة حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهى الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه وظاهره يخالف رواية الباب ومقتضاه ان خطبته وقعت في أول اليوم الحادي والعشرين وعلى هذا يكون أول ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين وهو مغاير لقوله في آخر الحديث فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين ووقوع المطر كان في ليلة إحدى وعشرين وهو الموافق لبقية الطرق وعلى هذا فكأن قوله في رواية مالك المذكورة وهى الليلة التي يخرج من صبيحتها أي من الصبح الذي قبلها ويكون في إضافة الصبح إليها تجوز وقد أطال ابن دحية في تقرير أن الليلة تضاف لليوم الذي قبلها ورد على من منع ذلك ولكن لم يوافق على ذلك فقال ابن حزم رواية ابن أبي حازم والدراوردي يعنى رواية حديث الباب مستقيمة ورواية مالك مشكلة وأشار إلى تأويلها بنحو مما ذكرته ويؤيده ان في رواية الباب الذي يليه فإذا كان حين يمسى من عشرين ليلة تمضى ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه وهذا في غاية الايضاح وأفاد ابن عبد البر في الاستذكار أن الرواة عن مالك اختلفوا عليه في لفظ الحديث فقال بعد ذكر الحديث هكذا رواه يحيى بن يحيى ويحيى بن بكير والشافعي عن مالك يخرج في صبيحتها من اعتكافه ورواه ابن القاسم وابن وهب والقعنبي وجماعة عن مالك فقالوا وهى الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه قال وقد روى ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك فقال من اعتكف أول الشهر أو وسطه فإنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه ومن اعتكف في آخر الشهر فلا ينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد قال ابن عبد البر ولا خلاف في الأول وانما الخلاف فيمن اعتكف العشر الأخير هل يخرج إذا غابت الشمس أولا يخرج حتى يصبح قال وأظن الوهم دخل من وقت خروج المعتكف (قلت) وهو بعيد لما قرره هو من بيان محل الاختلاف وقد وجه شيخنا الامام البلقيني رواية الباب بان معنى قوله حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين أي حتى إذا كان المستقبل من الليالي ليلة إحدى وعشرين وقوله وهى الليلة التي يخرج الضمير يعود على الليلة الماضية ويؤيد هذا قوله من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر لأنه لا يتم ذلك الا بادخال الليلة الأولى (قوله أريت) بضم أوله على البناء لغير معين وهى من الرؤيا أي أعلمت بها أو من الرؤية أي أبصرتها وانما أرى علامتها وهو السجود في الماء والطين كما وقع في رواية همام المشار إليها بلفظ حتى رأيت أثر الماء والطين على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه (قوله ثم أنسيتها أو نسيتها) شك من الراوي هل أنساه غيره إياها أو نسيها هو من غير واسطة ومنهم من ضبط نسيتها بضم أوله والتشديد فهو بمعنى أنسيتها والمراد أنه انسى علم تعيينها في تلك السنة وسيأتى سبب النسيان في هذه القصة في حديث عبادة بن الصامت بعد باب (قوله أنى اسجد) في
(٢٢٣)