أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشئ ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان فلما فتحت مكة واشتهر أمر الاسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك فوافقهم أولا وقال نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم ويؤيده رواية الترمذي من طريق أخرى بلفظ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم العاشر وقال بعض أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يحتمل أمرين أحدهما انه أراد نقل العاشر إلى التاسع والثاني أراد أن يضيفه إليه في الصوم فلما توفى صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب أدناها أن يصام وحده وفوقه أن يصام التاسع معه وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر والله أعلم ثم بدأ المصنف بالأخبار الدالة على أنه ليس بواجب ثم بالأخبار الدالة على الترغيب في صيامه * الحديث الأول حديث ابن عمر أورده من رواية عمر بن محمد أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر عن عم أبيه سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه وقد أخرجه مسلم عن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه وصرح بالتحديث في جميع اسناده (قوله قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ان شاء صام) كذا وقع في جميع النسخ من البخاري مختصرا وعند ابن خزيمة في صحيحه عن أبي موسى عن أبي عاصم بلفظ ان اليوم يوم عاشوراء فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره وعند الإسماعيلي قال يوم عاشوراء من شاء صامه ومن شاء أفطره وفى رواية مسلم ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فقال كان يوم يصومه أهل الجاهلية فمن شاء صامه ومن شاء تركه وقد تقدم في أول كتاب الصيام من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر بلفظ صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك فيحمل حديث سالم على ثاني الحال التي أشار إليها نافع في روايته ويجمع بين الحديثين بذلك * الحديث الثاني حديث عائشة من طريقين الأولى طريق الزهري قال أخبرني عروة وهو موافق لرواية نافع المذكورة والثانية من رواية هشام عن أبيه مثله وفيها زيادة ان أهل الجاهلية كانوا يصومونه وان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه في الجاهلية أي قبل ان يهاجر إلى المدينة وأفادت تعيين الوقت الذي وقع فيه الامر بصيام عاشوراء وقد كان أول قدومه المدينة ولا شك ان قدومه كان في ربيع الأول فحينئذ كان الامر بذلك في أول السنة الثانية وفى السنة الثانية فرض شهر رمضان فعلى هذا لم يقع الامر بصيام عاشوراء الا في سنة واحدة ثم فوض الامر في صومه إلى رأى المتطوع فعلى تقدير صحة قول من يدعى انه كان قد فرض فقد نسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة ونقل عياض ان بعض السلف كان يرى بقاء فريضة عاشوراء لكن انقرض القائلون بذلك ونقل ابن عبد البر الاجماع على أنه الآن ليس بفرض والاجماع على أنه مستحب وكان ابن عمر يكره قصده بالصوم ثم انقرض القول بذلك وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلهم تلقوه من الشرع السالف ولهذا كانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغندي الكبير عن عكرمة انه سئل عن ذلك فقال أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم صوموا عاشوراء يكفر ذلك هذا أو معناه * الحديث الثالث حديث معاوية من طريق ابن شهاب
(٢١٣)