أوجه ثالثها بفتح الراء وقد تكسر بعدها همزة مكسورة ثم تحتانية مشددة قال عياض ولاوجه له الا بضرب من التأويل وكأنه رئي بمعنى مرئي والمعروف ان الرأي التابع من الجن فيحتمل أن يكون من هذا الأصل لترائيه لمن معه من الانس (قوله فأنزل الله بعد من الفجر) قال القرطبي حديث عدى يقتضى ان قوله من الفجر نزل متصلا بقوله من الخيط الأسود بخلاف حديث سهل فإنه ظاهر في أن قوله من الفجر نزل بعد ذلك لرفع ما وقع لهم من الاشكال قال وقد قيل إنه كان بين نزولهما عام كامل قال فاما عدى فحمل الخيط على حقيقته وفهم من قوله من الفجر من أجل الفجر ففعل ما فعل قال والجمع بينهما أن حديث عدى متأخر عن حديث سهل فكأن عديا لم يبلغه ما جرى في حديث سهل وانما سمع الآية مجردة ففهمها على ما وقع له فبين له النبي صلى الله عليه وسلم ان المراد بقوله من الفجر أن ينفصل أحد الخيطين عن الآخر وان قوله من الفجر متعلق بقوله يتبين قال ويحتمل أن تكون القصتان في حالة واحدة وان بعض الرواة يعنى في قصة عدى تلا الآية تامة كما ثبت في القرآن وإن كان حال النزول انما نزلت مفرقة كما ثبت في حديث سهل (قلت) وهذا الثاني ضعيف لان قصة عدى متأخرة لتأخر اسلامه كما قدمته وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أبى أسامة عن مجالد في حديث عدى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أخبره بما صنع يا ابن حاتم ألم أقل لك من الفجر وللطبراني من وجه آخر عن مجالد وغيره فقال عدى يا رسول الله كل شئ أوصيتني قد حفظته غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود انى بت البارحة معي خيطان أنظر إلى هذا والى هذا قال انما هو الذي في السماء فتبين ان قصة عدى مغايرة لقصة سهل فاما من ذكر في حديث سهل فحملوا الخيط على ظاهره فلما نزل من الفجر علموا المراد فلذلك قال سهل في حديثه فعلموا انما يعنى الليل والنهار وأما عدى فكأنه لم يكن في لغة قومه استعارة الخيط للصبح وحمل قوله من الفجر على السببية فظن أن الغاية تنتهى إلى أن يظهر تمييز أحد الخيطين من الآخر بضياء الفجر أو نسى قوله من الفجر حتى ذكره بها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الاستعارة معروفة عند بعض العرب قال الشاعر - ولما تبدت لنا سدفة * ولاح من الصبح خيط أنارا - (قوله فعلموا أنه انما يعنى الليل والنهار) في رواية الكشميهني فعلموا انه يعنى وقد وقع في حديث عدى سواد الليل وبياض النهار معنى الآية حتى يظهر بياض النهار من سواد الليل وهذا البيان يحصل بطلوع الفجر الصادق ففيه دلالة على أن ما بعد الفجر من النهار وقال أبو عبيد المراد بالخيط الأسود الليل وبالخيط الأبيض الفجر الصادق والخيط اللون وقيل المراد بالأبيض أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود وبالأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبيها بالخيط قاله الزمخشري قال وقوله من الفجر بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لان بيان أحدهما بيان للآخر قال ويجوز أن تكون من للتبعيض لأنه بعض الفجر وقد أخرجه قوله من الفجر من الاستعارة إلى التشبيه كما أن قولهم رأيت أسدا مجاز فإذا زدت فيه من فلان رجع تشبيها ثم قال كيف جاز تأخير البيان وهو يشبه العبث لأنه قبل نزول من الفجر لا يفهم منه الا الحقيقة وهى غير مرادة ثم أجاب بان من لا يجوزه وهم أكثر الفقهاء والمتكلمين لم يصح عندهم حديث سهل وأما من يجوزه فيقول ليس بعبث لان المخاطب يستفيد منه وجوب
(١١٥)