ح - إن المظنون، بل المعلوم من حال رواة الأخبار، مع كثرة عددهم، عدم الاعتناء بحصول الملكة لهم، بل الاكتفاء بحسن ظاهرهم، ولولا ما أفدنا لما كان له وجه.
ط - من المعلوم أن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) كلهم كانوا قد أسلموا بعد ما كفروا، خلفا عن سلف، واعتادوا برسوم الكفر، فكيف زال منهم تلك الملكة وحصل ملكة العدالة سريعا عاجلا وقبل شهادتهم؟!
ومن المقطوع أنه لم ينسد [باب] المعاملات والعبادات في بدو الإسلام ولم ينحصر على شهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام)، بل هم الذين كانوا يأمون الجماعات و يشهدون على المعاملات، فتقبل شهادتهم ويهدأ الدماء بأقوالهم ويدرأ الحدود.
ومنهم من يجعل قاضيا مفتيا، فيقضي مع معلومية عدم حصول تلك الملكة فيهم بصدور بعض ما يرشد إلى ذلك منهم، فلو لا التسامح والعمل بحسن الظاهر، لما كان لأمثال ذلك وجه.
ي - من المعلوم أن الأمور العادية لا تزول دفعة، بل لابد من زوالها بالتدريج، و أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أكثرهم كانوا عدولا مقبولي الشهادة عنده، فلولا حسن الظاهر كان مبنى في قبول شهادتهم، فكيف زال عنهم ملكتهم (1) دفعة ولم تردع واحدا منهم - مع كثرة عددهم - من مخالفة الحق؟!
ومن هنا قال المحقق صاحب الجواهر ما لفظه:
بل قد يقطع بعدم وجود الملكة في أكثر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ولذلك صدر منهم ما صدر من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكتمان الشهادة، حتى ورد أنهم كلهم دخلهم شك عدا المقداد وأبي ذر وسلمان وعمار، و احتمال زوالها عنهم بمجرد موت النبي (صلى الله عليه وآله) مستبعد جدا، كما في سائر أهل الملكات؛ إذ الظاهر أن الملكة على تقدير زوالها إنما تزول بالتدريج لا دفعة، كما اتفق لهم. (2)