فإذا تمهد لك ذلك، فاعلم أن لأصحاب حسن الظاهر على أصحاب الملكة إيرادات عديدة، نذكر جملة منها بكمال الإيجاز والاختصار.
ألف - إن العدالة لا تحصل على القول بالملكة إلا بالاعتياد باجتناب الكبائر و الإصرار على الصغائر وخوارم المروة؛ فإن الملكة بشيء ما يملكه بها ويقدر عليه و لذا عرف صاحب الفصول الملكة بما لفظه: " وأرادوا بالملكة الصفة الراسخة التي يعسر زوالها " (1) انتهى.
وربما قيل: إن حصولها أمر ممكن متحقق مشاهد في كثير من الناس بالنسبة إلى بعض المعاصي كالزنا بالأم، واللواط بالابن، ومثل ذلك، وإذا كان الملكة بهذا المعنى، فكيف يحصل الجزم علما أو ظنا متاخما (2) له بالنسبة إلى جميع المعاصي مع عدم الاعتياد بتركها، بل وعدم الابتلاء ببعضها مطلقا، ولا سيما مع موافقة بعض نوعها طبع الإنسان، كما مر الإشارة إليه فيما مر؟!
ب - إن العدالة معتبرة في أكثر الأمور كإمامة الجماعة المأمورة بإيقاعها كل يوم مرارا، سفرا وحضرا، [و] (3) كالقضاء والإفتاء والشهادة والرواية، وكل ذلك عامة البلوى (4)، فلو بني في أمثال ذلك على تلك الملكة، لضاق الأمر قطعا.
ج - ربما يبتلى إنسان بأمور خارجية مما يحضه ويحثه على فعل المعاصي، فلا يتمالك نفسه إلا ويبتلى به. ومن هنا يحكى أن جنديا أتى بعض المشايخ فقال له: أنت أعظم أجرا أم أنا؟
فقال: الله أعلم.
فقال: بل أنا، وذلك أنك متى تصبح تصلي صلاة الغداة وتشتغل بوردك بعدها، ثم لا تزال طول نهارك تعلم الناس وتدرسهم وتعظهم إلى الليل، ثم إنك تصلي