ومن هنا تصدر المعاصي - كثيرا - من أهل الملكات، لا لعدمها من أصلها، بل و زوالها من شدة ضعفها وقوة ما يزيلها، ولولا ذلك لما كان لأخذ العلماء تلك الملكة في العدالة معنى.
وكيف يجوز عاقل عليهم أن يأخذوا فيها مثل هذا الأمر ويعتبروا فيها ما يلزم منه بحكم الوجدان ما هو بديهي البطلان؟!؛ إذ المفروض أنه لاخفاء في الملازمة ولا في بطلان اللازم وهو الاختلال، بل الانصاف أن الاقتصار على ما دون هذه المرتبة تضييع حقوق الله وحقوق الناس.
وكيف يحصل الوثوق في الإقدام على ما أناطه الشارع بالعدالة، ممن لا يظن فيه ملكة ترك الكذب والخيانة، فيمضى قوله في دين الخلق ودنياهم من الأنفس و الأموال والأعراض، ويمضى فعله على الأيتام والغيب والفقراء والسادة؟!
قال بعض السادة:
إن الشريعة المنيعة، التي منعت من إجراء الحد على من أقر نفسه بالزنا مرة بل ثلاثا، كيف تحكم بقتل النفوس وإهراقهم وقطع أياديهم وحبسهم و أخذ أموالهم وأرواحهم بمجرد شهادة من يجهل حاله من دون اختبار؟! (1) وفيه: أنه لا كلام في استناد ترك المعاصي إلى خوف بالقلب، ولكن حصول الخوف - في الجملة - يلزم حسن الظاهر، ولكن هو من استناد ترك كل ذنب إليه واقعا، فضلا عن حصول ملكتها.
ومن المعلوم أن الجزم بها مشكل؛ فإن حصولها من أصلها خلاف الأصل، و بقاؤها واستمراره يخالف الأصل الآخر.
وبالجملة، فلا كلام في حصول الملكة بالنسبة إلى ترك بعضي المعاصي، كالزنا بالأمهات، ووطء البنات، واللواط من البنين للاطئ، وكذا استناد ترك المعاصي بعضها أو أكثرها إلى خوف ما في القلب، وهو مشترك؛ فإن من يواظب على الأوامر و