الطريق الثاني: القراءة على الشيخ، ويسميها أكثر قدماء المحدثين عرضا؛ لأن القارئ يعرضه على الشيخ، سواء قرأ هو أو قرأ غيره وهو يسمع، وسواء قرأ من كتاب أو حفظ، وسواء كان الشيخ يحفظ أم لا، إذا أمسك أصله هو أو ثقة غيره، فهذه رواية صحيحة بالاتفاق خلافا لمن لا يعتد به، وهو أبو عاصم النبيل من علماء العامة، وقد اشتدوا [في] الإنكار عليه حتى بالغ بعضهم فرجحها على السماع من لفظ الشيخ. (1) وذهب جم منهم البخاري - وحكاه في أوائل صحيحه عن جماعة من الأئمة - إلى أن السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه - يعنى في الصحة والقوة - سواء.
وبالجملة: فإنه قد نقل التساوي عن مالك وأشياخه وأصحابه ومعظم علماء الحجاز والكوفة والبخاري وغيرهم. ونقل ترجيح الأول عن جمهور علماء المشرق، ونقل ترجيح الثاني عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما. (2) وكيف كان؛ فإن السامع إذا روى بهذه الطريقة فله عبارات مثل أن يقول: " قرأت على فلان " أو " قرئ وأنا أسمع فأقر به " ويلي ذلك عبارات السماع من لفظ الشيخ مقيدة بالقراءة عليه ك " حدثنا " أو " أخبرنا " أو " أنبأنا قراءة عليه ".
وفي إطلاق هذه العبارات أقوال:
فمنعه جماعة منهم أحمد والنسائي، وجوزه معظم الحجازيين والكوفيين و البخاري وغيرهم، وثالث الأقوال جواز " أخبرنا " دون " حدثنا " وهو مذهب الشافعي وأصحابه ومسلم وجمهور المشارقة وغيرهم، بل قيل: إن هذا هو الشائع الغالب اليوم عند المحدثين. وقد يقال: إن من الأقوال قول من أجاز فيها " سمعت " فقط. (3) وكيف كان؛ فإن في حكم القراءة عليه السماع حال قراءة الغير كما عرفت ذلك، فيقول: " قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به " أو إحدى تلك العبارات أي " حدثنا " و " أخبرنا " و نحوهما، والخلاف في إطلاقها وتقييدها كما عرفت.