وقال الحافظ أبو عمرو: " المدبج من رواية الأقران بعضهم عن بعض وهم المتقاربون في السن والإسناد. وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله فيه بالتقارب في الإسناد وإن لم يوجد [التقارب] في السن ".
قال: ورواية القرين عن مثله تنقسم أقساما: فمنها: المدبج، وهو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر. مثاله في الصحابة: عائشة وأبو هريرة، وفي التابعين: الزهري وعمر بن عبد العزيز، وفي أتباع التابعين: مالك والأوزاعي. (1) هذا، وأنت خبير بأن مقتضى التحقيق الصرف هو أن النسبة بين رواية الأقران و بين المقارضة والتدبيج نسبة الأعم من وجه، فلا يشترط في التدبيج القرينية فيما مرت إليه الإشارة فخذ الكلام بمجامعه وتأمل.
ومنها: المدلس - أي بفتح اللام المشددة - من التدليس أي إخفاء العيب وكتمانه، وأصله من الدلس - بالتحريك - بمعنى الظلمة أو اختلاط الظلام.
ثم إن التدليس مما يختص بالإسناد، وإطلاق المدلس على الحديث على سبيل التجوز، ولذلك إذا قيل: حديث مدلس، فلا يعنى به إلا القسم الأول من التدليس، و هو تدليس الإسناد بأن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه، قائلا: " قال فلان " أو " عن فلان " ونحوه، وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره ضعيفا أو صغيرا تحسينا للحديث.
قال بعض الأجلة: " ومن حق من يدلس حتى يكون مدلسا لا كذابا أن لا يقول في ذلك: " حدثنا " ولا " أخبرنا " ونحو ذلك بل يقول: " عن فلان "، أو " قال فلان " ونحو ذلك ك " حدث " أو " أخبر فلان " من غير أن يلحق به ضمير المتكلم؛ ليوهم أنه حدثه أو أخبره، والعبارة أعم من ذلك لاحتمالها الواسطة بينهما فلا يصير بذلك كذابا.
وربما لم يكن تدليسه في صدر السند - وهو شيخه الذي أخبره - بل في الطبقة