قلت: إنك إذا تأملت تجد هذا الكلام مشتملا على أمور مدخولة؛ فإن المخضرمين - على ما ذكره غير واحد من أهل العلم والفضل - هم الذين أدركوا الجاهلية وزمن النبي (صلى الله عليه وآله) وأسلموا ولم يروه، وعدهم مسلم في صحيحه عشرين نفسا. (1) نعم، قال بعضهم معترضا على مسلم: وهم زادوا ممن لم يذكره مسلم، أبا مسلم الخولاني والأحنف. وكيف كان فلا وجه لتردده في ذلك بقوله: " ولكن لم يعرف هل لقوه أم لا؟ " (2) ومن هنا بان عدم استقامة كلامه: " ولو كان مجرد المعاصرة يكتفى به في التدليس لكان هؤلاء مدلسين ".
وبيان ذلك أن هذا إنما يلزم لو أوهموا السماع ولم يتحقق هذا قطعا للجزم بعدم لقائهم النبي (صلى الله عليه وآله).
فإن قلت: إن هذا القدر من الكلام غير كاف في المقام، فما تقول بين المرسل الخفي وبين المدلس، وما الحيلة في دوران الأمر بينهما؟
قلت: بعد حمل المرسل هاهنا على مطلق الانقطاع؛ نظرا إلى أن المرسل المصطلح عند أكثر العامة هو ما سقط منه الصحابي، نقول: إن جملة من الأصول وإن عورضت بمثلها في المقام إلا أن مقتضى قاعدة حمل فعل المسلم وقوله على الصحة تقضي بالحكم بالإرسال الخفي دون التدليس.
وبالجملة: فإن هذا يجري في مقام احتمال الأمرين، سواء قلنا: بدخول الإرسال الخفي في حد التدليس أم لا. فخذ الكلام بمجامعه ولا تغفل.
تذييل: في بيان جملة من الأمور فاعلم أنهم اختلفوا في أن التدليس هل هو جرح، بمعنى أنه هل تقبل الرواية