والمشايخ المصاحبين المخالطين المعاشرين لمن وقع في سند الرواية، وأن يلاحظ تصانيف العلماء المتقدمين والمتأخرين، وأن يلاحظ تصريحاتهم لمعرفة الراوي مدحا وقدحا، ولو من جهة قرب عهدهم، واقتران روايتهم بالقرائن ولو حالية.
ولا شك ولا شبهة ولا ريب أن تلك المرجحات الحاصلة من هاتيك الملاحظات قد فقدت في هذه الأزمنة المتأخرة، لفقدان القرائن الحالية، فدعوى حصول القطع بها في جميع سلسلة السند أمر عجيب.
وأعجب منه دعوى وفور هذا النوع في أحاديث الأئمة (عليهم السلام) وقد عرفت أن غاية ما حصل [من] القطع بوثاقة الراوي؛ أن لا يفعل ما ينافي عدالته، أعني التعمد للكذب والافتراء.
وأما القول بأن كل ما صدر منه يكون مشروعا في الواقع ونفس الأمر؛ فلا، ومن الجائز أن يروي ما يكون - باعتقاده - صحيحا صادرا عنهم (عليهم السلام) وفي الواقع اشتبه الأمر عليه، فما قصده لم يقع، وما وقع لم يقصد [ه] ولا نسلم أن كل ما رواه يكون مطابقا للواقع.
ونحن - معاشر الأصوليين - بعد المشقة الزائدة على الوسع والطاقة أثبتنا - عقلا ونقلا - انسداد باب العلم - كما سيجيئ تقريره من قريب إن شاء الله تعالى - وأما انسداد باب السهو والخبط والغلط، وباب اعوجاج السليقة، وباب عدم استقامة القوة حقها؛ فلا، وكونه ثقة لا يلزم [منه] العصمة.
إذا عرفت بيان بعض الشكوك وجوابه إجمالا؛ فلنرجع إلى ما كنا فيه فاعلم أن الاحتياج إلى علم الرجال في المقام الأول ثابت بالعقل والنقل.
أما العقل؛ فبوجوه:
الأول: فنقول: قد أثبتنا في الأصول لزوم العمل - في غالب الأحكام الفقهية من أول الطهارة إلى آخر الديات - بخبر الواحد العاري عن قرينة دالة على صدق صدوره ومضمونه.