الراوي مرتكبا للمعاصي؛ وأنت تعلم أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
وقد يزعم أن ليس لهذا الكلام مساغ إلا متى فسرت العدالة بظاهر الإسلام أو حسن الظاهر، كما هو الظاهر؛ وأما إذا فسرت بالملكة - كما هو الأشهر بين متأخري الأصحاب - فحينئذ ترجيح الجرح محل تأمل؛ فإن المعدل أيضا يخبر عن اتصاف الراوي بتلك الملكة في نفس الأمر، لا محض عدم وجدانه مرتكبا للكبائر غير مصر على الصغائر.
ومن هنا قال علامة الجواهر - قدس سره - ما لفظه:
وأيضا قد اشتهر بينهم تقديم الجرح على التعديل؛ لعدم حصول التعارض؛ لكون المعدل لا يعلم والجارح عالم، ومن لا يعلم ليس حجة على من علم، ولو كان عن باب الملكة، لكان من باب التعارض؛ لأن المعدل يخبر عن الملكة، والآخر يخبر عن عدمها، بل عن ملكة الفسق.
اللهم إلا أن يقال: إن أهل الملكة ينفون الحكم - بمقتضاها - بمجرد وقوع الكبيرة مثلا وإن لم تذهب الملكة، فلا يكون تعارض بينهما؛ إذ قد يكون الجارح اطلع على فعل كبيرة ولا ينافي ذلك إخبار العدل بحصول الملكة.
نعم، لو كان الجرح بما يرفع الملكة اتجه التعارض؛ فتأمل جيدا (1).
هذا، ويمكن أن يناقش (2) فيه: بأن عدم الكبيرة مأخوذ في العدالة إجماعا، على ما تقدم، إما لكونه قيدا للملكة على ما اخترناه، وإما لأخذه في العدالة بدليل الإجماع و النص، كيف؟ ولو لم يكن مأخوذا، لم يكن الجارح معارضا له أصلا.
وكيفما كان، فاعتماد المعدل على هذا الأمر العدمي المأخوذ في تحقق العدالة ليس إلا على أصالة العدم أو أصالة الصحة أو قيام الإجماع، على أن العلم بالملكة المجردة طريق ظاهري للحكم بتحقق ذلك الأمر العدمي.