____________________
وقال بيان الحق أبو القاسم النيسابوري: (1) لئن كان الدعاء غير معقول كانت العبادة غير معقولة، وقد تكون طاعة وعبادة من غير دعاء ومسألة ولا يكون دعاء ومسألة إلا مع طاعة وعبادة، إذ لا دعاء إلا مع الاعتراف بالذلة والنقص والاضطرار والعجز عقدا ولسانا وهيئة، وانه لا فرج له إلا من لدن سيده ولا خير له إلا من عنده قولا وضميرا فيتردد لسانه بأنواع التضرع والحوار وتتصرف يداه نحو السماء في ضروب من الشكل والحركات كما يروى عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) انه قال هكذا الرغبة وأظهر وأبرز باطن راحته إلى السماء، وهكذا الرهبة وجعل ظاهر كفه إلى السماء، وهكذا التضرع وحرك أصابعه يمينا وشمالا، وهكذا التبتل ورفع أصابعه مرة ووضعها أخرى، وهكذا الابتهال ومد يده تلقاء وجهه إلى القبلة، وكان لا يبتهل حتى يذري دموعه ويشخص بصره، وهل إخلاص العبادة إلا هذه الأحوال فكان الدعاء من أشرف العبادة، وبحسب العبادة يتم الشرف الإنساني ويخلص الغرض الإلهي كما قال الله عز وجل: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ولأنه لا يمتنع ظهور رحمة الله وسابغ كرمه في حق العبد من غير مسألته وكرامته بالإجابة، وتمتنع كرامته بالإجابة إلا مع ظهور جوده واتصال رحمته حتى يطمئن بفضله ويثق بقبوله ويعلم أنه العبد الذي دعا مولاه فلباه وسأله فأعطاه، فكان الدعاء في امتراء المزيد واستجماع أسباب الرحمة مع الكرامة فوق الطاعة والعبادة ولهذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرغب فيه إلى خيار