والثاني: أنه كان يحبه محبة طباع، ولم يكن يدعو به حتى أذن له فيه، لأن الأنبياء ع لا يدعون إلا بإذن الله، لئلا يكون في ردهم تنفير قبول قولهم إن كانت المصلحة في خلاف ما سألوه، وهذا الجواب مروي عن ابن عباس.
وقيل في سبب محبة النبي ع التوجه إلى الكعبة ثلاثة أقوال:
أحدهما: أنه أراد مخالفة اليهود والتميز منهم، والثاني: أنه أراد ذلك استدعاء للعرب إلى الإيمان، والثالث: أنه أحب ذلك لأنها كانت قبلة إبراهيم، ولو قلنا:
إنه أحب جميع ذلك، لكان صوابا.
فصل:
و " شطر المسجد الحرام " نحوه وتلقاؤه، وعليه المفسرون وأهل اللغة. وعن الجبائي أراد بالشطر النصف فأمره أن يولي وجهه نحو نصف المسجد حتى يكون مقابل الكعبة، والأول أولى لأن اللفظ إذا كان مشتركا بين النصف والنحو ينبغي أن لا يحمل على أحدهما إلا بدليل، وعلى الأول إجماع المفسرين.
وقوله: إن الذين أوتوا الكتاب، هم اليهود عن السدي، وقيل: هم أحبار اليهود وعلماء النصارى غير أنهم جماعة قليلة يجوز على مثلهم إظهار خلاف ما يبطنون، لأن الجمع الكثير لا يتأتى ذلك منهم لما يرجع إلى العادة، فإنها لم يجز بذلك مع اختلاف الدواعي وإنما يجوز العناد على النفر القليل، وهذه الآية ناسخة لفرض التوجه إلى بيت المقدس قبل ذلك، وعن ابن عباس أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا شأن القبلة، وقال قتادة: نسخت هذه الآية ما قبلها، وهذا مما نسخ من السنة بالقرآن لأنه ليس في القرآن ما يدل على تعبده بالتوجه إلى بيت المقدس ظاهرا.
ومن قال: إنها نسخت قوله: فأينما تولوا فثم وجه الله، فنقول له:
ليست هذه منسوخة بل هي مختصة بالنوافل في حال السفر على ما نذكره بعد.
فأما من قال: يجب على الناس أن يتوجهوا إلى الميزاب الذي على الكعبة ويقصدوه فقوله باطل على الإطلاق لأنه خلاف ظاهر القرآن.
وقال ابن عباس: البيت كله قبلة وقبلته بابه، وهذا يجوز، فأما أن يجب على جميع الخلق