اللهم إلا أن يقال: إن كلمة: (اجعلوه بينكم) تعطي معنى الجعل التشريعي - أي إعطاء الحاكمية له - وهذه كناية عن قاضي التحكيم. إلا أن الظاهر أن المقصود من (اجعلوه بينكم) هو نفس ما يفهم من قوله: (فليرضوا به حكما).
وكيف كان فالأولى تفصيل الكلام بين اشتراط العلم بحكم الأئمة (عليهم السلام) في مورد القضاء مباشرة لا تقليدا وبين اشتراط الإطلاق الفعلي في الاجتهاد.
فبالنسبة لاشتراط العلم بحكمهم (عليهم السلام) قد يستظهر من جملة: (يعلم شيئا من قضايانا) أو (يعلم شيئا من قضائنا) هو العلم لا بواسطة التقليد. أما لو قلنا بالإطلاق، وأنه بعد وضوح أنه ليس المقصود بالعلم هنا العلم الوجداني وبلا واسطة من يتعبد بكلامه - إذ العلم بقضاياهم (عليهم السلام) كثيرا ما يكون بواسطة الأخذ التعبدي من الرواة - لا يبقى فرق بين أن يكون العلم بقضاياهم علما بواسطة التعبد بنقل الراوي، أو علما بواسطة التعبد بفتوى الفقيه. أقول: لو قلنا بالاطلاق من هذا القبيل فهذا الإطلاق وإن لم يمكن تقييده بالتوقيع، لأن التوقيع دل على إعطاء منصب أوسع من منصب القضاء، ومن المحتمل أن يشترط في ذلك ما لا يشترط في خصوص منصب القضاء، ولكن يمكن تقييده بمقبولة عمر بن حنظلة الواردة في خصوص القضاء، والظاهرة في كونها في مقام التحديد، وهي تدل على اشتراط الاجتهاد.
هذا، والسيد الخوئي - الذي لم يقبل وجود نص تام سندا ودلالة على القاضي المنصوب، واستفاد شرعية القاضي المنصوب من الضرورة الاجتماعية الدالة على الوجوب الكفائي - اشترط الاجتهاد على أساس الاقتصار على القدر المتيقن.
إلا أن هذا الطريق لإثبات اشتراط الاجتهاد قد يبتلى بإشكال: كما لو دار الأمر بين مجتهد لا يمتلك ذكاء أكثر من المقدار المتعارف في كيفية تمييز الصادق من الكاذب وأخذ الإقرار من الظالم، ومقلد يتقن الأحكام عن طريق التقليد وهو