لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا " من دون إذن الإمام كذا إمامة الجمعة وليس هذا قياسا " بل استدلال بالعمل المستمر في الأعصار فمخالفته خرق للإجماع.
ويؤيد ذلك ما روي عن أهل البيت عليهم السلام من طرق منها رواية محمد بن مسلم قال: (لا تجب الجمعة على أقل من سبعة: الإمام، وقاضيه، ومدعي حقا "، ومدعى عليه، وشاهدان، ومن يضرب الحدود بين يدي الإمام) (1) وجواب الشافعي على ما رأينا أن عليا " عليه السلام كان هو الإمام فلا يفتقر إلى إذن غيره وعلى رأي غيرنا أن عثمان كان محصورا " فكان عذرا " ومع تعذر الوصول يجوز الاجتماع ولأنه حكاية فعل ومن المحتمل أن يكون عن إذن، وأما قياسه على الحج فباطل لأن الحج لا يفتقر إلى الاجتماع بخلاف الجمعة وكانت الجمعة كإقامة الحدود.
المقام الثاني: اشتراط عدالة السلطان، وهو انفراد الأصحاب خلافا " للباقين، وموضع النظر أن الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن غالبا " والحكمة موجبة حسم مادة الهرج وقطع نائرة الاختلاف ولن يستمر إلا مع السلطان، ثم المعنى الذي باعتباره وقت نيابة الجمعة على إذن الإمام موجب عدالته إذ الفاسق يسرع إلى بواعث طبعه ومرامي أهويته لا إلى مواقع المصلحة فلا يتحقق حسم مادة الهرج على الوجه الصواب، ما لم يكن العادل ولأن الفاسق لا يكون إماما " فلا يكون له أهلية الاستنابة.
لا يقال: لو لزم ما ذكرتم لما انعقدت الجمعة ندبا " مع عدمه لانسحاب العلة على الموضعين وقد أجزتم ذلك إذا أمكنت الخطبة، لأنا نجيب: بأن الندب لا تتوفر الدواعي على اعتماده فلا يحصل الاجتماع المستلزم للفتن إلا نادرا ".
والجواب عما ذكره أبو حنيفة من الاكتفاء بالجائر منع الحديث أو لا ثم منع دلالته على موضع النزاع لتضمنه من تركها جحودا " واستخفافا بحقها واحد لا يتركها مع الجائر ولا العادل استخفافا " بل يستحب الاجتماع فيها وعقدها مع وجود السلطان